يمكننا ان نقول اليوم: ان مشروع “الدولة الديموقراطية الواحدة” يحضر بقوة في المشهد السياسي الفلسطيني، فنحن امام تطور دراماتيكي وهام وملفت للنظر في الموقف السياسي الاردني أو لنقل في الرؤية السياسية لحل القضية الفلسطينية عند رئيس الوزراء الاردني عمر الرزاز، الذي أعلن ان “الأردن قد ينظر بإيجابية لحل دولة واحدة لتسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني اذا ما كانت تتساوى فيها حقوق الفلسطينيين والإسرائيليين-عن الغارديان البريطانية-2020/7/21″، وجاء ذلك في ظل تعثر التوصل الى حل الدولتين …!.
ويبدو ان تطورات المشهد الفلسطيني والعربي والاقليمي اخذت تدفع بالمزيد والمزيد من المثقفين والمفكرين والسياسيين نحو تبني و/أو الترويج لفكرة”الدولة الديموقراطية الواحدة” أو “دولة ثنائية القومية”، والواضح ان المنطلق في ذلك هو الوصول لدى كل هؤلاء واولئك وغيرهم الى حالة اليأس من امكانية التحرير أو “حل الدولتين” في ظل سطوة القوة والبلطجة الامريكية الصهيونية على العرب، وبالتالي وجدوا ان هذا الصراع غير قابل للحل إلا في إطار”مشروع الدولة الديموقراطية الواحدة” التي من المفترض ان تقام في أرجاء فلسطين التاريخية.
ويعتبر هذا التصريح للرزاز في غاية الاهمية كون الموقف الاردني الداعم ل”حل الدولتين” ركيزة قوية في المواجهة الفلسطينية الاسرائيلية، وان يتحول الموقف السياسي الاردني من الدعم التاريخي لحق الشعب الفلسطيني باقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، الى دعم مشروع”الدولة الديموقراطية الواحدة” فهذا تطور دراماتيكي في المشهد السياسي وله دلالاته وآفاقه الكثيرة…!
وفي جدلية وأطروحة “الدولة الديموقراطية الواحدة” وهي قديمة يجري استحضارها بين آونة واخرى، نبدأ هنا من حيث اكد الباحث الاسرائيلي ميرون بنفنستي أكد في هآرتس 2008/8/21 من ان”الدولة ثنائية القومية فزاعة تخيف الاسرائيليين كثيرا”، لنتساءل:
– ما الافق الحقيقي اولا في أن توافق الدولة الصهيونية على خيار كهذا لإنهاء الصراع مع الفلسطينيين…؟.
– ثم هل من الممكن حقا ان تتخلى تلك الدولة الصهيونية عن مشروعها ومحتواها العنصري وعن سيادتها وسيطرتها الاستراتيجية على كل شيء….؟!
فلسطينيا وعلى المستوى الرسمي، كان السيد احمد قريع قد فاجأنا في عهده قبل سنوات كرئيس للوزراء بتلويحه بفزاعة “الدولة ثنائية القومية” كرد فلسطيني -ربما يشكل الخيار الوحيد من وجهة نظر اصحابه- على بناء جدار الفصل العنصري وسياسة الاجتياحات والاعتداءات الاسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، ليثير هذا التصريح/ التلويح/ التهديد آنذاك ردود فعل واسعة النطاق فلسطينيا واسرائيليا وليفجر جملة كبيرة من الاسئلة والتساؤلات الصعبة على الاجندة السياسية الوطنية الفلسطينية.
وعاد قريع رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض وبعد سنوات من ذلك التصريح، ومعه صائب عريقات “كبير المفاوضين الفلسطينيين” من واشنطن مؤخرا محبطين يائسين خائبين من الموقف الامريكي، ليتحدثا عن خيبة أمل كبيرة أصابتهما بعد الاستماع لنخبة من المسؤولين الأمريكيين، وليؤكد قريع” انه استمع لرسالة أمريكية واضحة وحاسمة تشير الى “ان القضية الفلسطينية والصراع العربي ـ الإسرائيلي ومشروع الدولة الفلسطينية مسائل لم تعد في نطاق الأولويات بالنسبة للإدارة الأمريكية على الإطلاق/ وكالات الأنباء-2008-8-9″، والاهم حسب قريع”ان إقامة دولة فلسطينية مسألة لم تعد ذات أولوية بالرغم مما يسمى بـ”رؤية بوش”، ولذلك لم يستبعد قريع “أن يطالب الفلسطينيون بأن يصبحوا جزءا من دولة ذات قوميتين مع إسرائيل، إذا استمرت الأخيرة في رفض الحدود التي يقترحونها لإنشاء دولة منفصلة”، وأوضح قريع في اجتماع مغلق مع أنصار حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، “أن الفلسطينيين قد يلجؤون لهذا المطلب في حال رفضت إسرائيل أن تلبي مطالبهم بالانسحاب من كل الأراضي المحتلة”، وبالتاكيد فان لهذا الاحباط واليأس والخيبة دلالات وتداعيات يفترض ان تترك تأثيرها على كل السياسة التفاوضية الفلسطينية…!
وبذلك فتح قريع الباب أمام خيار “الدولة ثنائية القومية” …
فلماذا يا ترى اضطر قريع الى التهديد بفزاعة”الدولة الثنائية القومية”….؟
–
فاذا افترضنا ان طرح الدولة ثنائية القومية جاءعلى لسان قريع كمشروع اعتراضي/ افتراضي/ تكتيكي/ وفزاعة يهدف الى اثارة المشكلة الديموغرافية في وجه الحكومة الاسرائيلية وحشرها بين خياري الانسحاب والموافقة على اقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع او الدولة ثنائية القومية التي سيصبح فيها اليهود اقلية مما يلغي عمليا “الدولة اليهودية النقية”، فان هذا المشروع/ التهديد لن يغير في الواقع وعلى الارض شيئا جوهريا، وهو مشروع محكوم عليه بالفشل الذريع مسبقا، ذلك ان دولة الاحتلال والاغتصاب الصهيونية تعمل ليل نهار على تطبيق مشروعها على الارض الذي يعتبر من جهة اولى “ان ارض اسرائيل من النيل الى الفرات” و”ان الضفة والقطاع جزء لا يتجزأ من ارض اسرائيل” والذي يعمل من جهة ثانية على اقتلاع الاخر الفلسطيني وتصفية حقوقه التاريخية ويعمل على تدمير مقومات وجوده واستقلاله.
ولذلك يمكن ان نرى من هذه الزاوية “ان الدولة الصهيونية ثنائية القومية” قائمة وماثلة على امتداد مساحة الوطن الفلسطيني المحتل، وان طابعها الراهن العنصري الارهابي الدموي الاستعماري الاستيطاني الاقتلاعي الاحلالي سيبقى هو هو في المستقبل ولن يتغير ابدا ولا يمكن المراهنة على ذلك..!
الامر الذي كان اكده المؤرخ و الباحث الاسرائيلي المعروف ميرون بنفنستي في لقاء معه اذ قال: ان الدولة الثنائية القومية أصبحت أمرًا واقعًا”.
ولذلك فان امتداد الجدل السياسي الفلسطيني الداخلي حول الدولة الفلسطينية ليشمل خيار “الدولة الديموقراطية الواحدة” او “الدولة ثنائية القومية” كخيار قوي وحل ممكن من شأنه ان يعمق المأزق الفلسطيني وان يشوش كثيرا على المشروع الوطني الاستقلالي الفلسطيني والاخطر انه يكرس مشروع الدولة الصهيونية العنصرية على كامل فلسطين. ذلك ان الطموحات والامال والتطلعات الوطنية الفلسطينية كلها تتكثف منذ ان انطلقت مسيرة النضال الوطني التحرري الفلسطيني بعبارة واحدة: بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها المدينة المقدسة..فهي المشروع الوطني الفلسطيني، وهي الحلم الفلسطيني التاريخي الازلي الكبير، وكافة الطروحات ومشاريع الحلول الاخرى ستكون بالتأكيد على انقاض هذا المشروع/ الحلم؟.
ونقول طالما ان المشروع السياسي الصهيوني للحل مع الفلسطينيين لا يتجاوز سقفه وفق غزارة المعطيات سقف المشروع الذي بادر شارون في عهده الى تطبيقه على الارض الفلسطينية ببالغ الاجرامية والاستباحية منذ سنوات ومضمونه الملموس: التدمير الشامل للبنى التحتية المدنية والامنية الفلسطينية ولمقومات الوجود والصمود والبقاء والاستقلال الفلسطيني وتكريس مشروع المستعمرات الاستيطانية والجدران العنصرية التي تحول المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية الى معسكرات اعتقال ومعازل عنصرية، وطالما ان خيار الدولة الفلسطينية على الاجندة السياسية الصهيونية لا يتجاوز سقفه في الجوهر “الحكم الذاتي” الذي يجري تكريسه في داخل معسكرات الاعتقال والمعازل العنصرية في اطار خطة الفصل والانفصال وفك الارتباط والخطوات احادية الجانب التي طبقها شارون بدعم وغطاء وترخيص امريكي، فان الخيارات الفلسطينية والعربية العاجلة في مواجهة ذلك المشروع الصهيوني، يجب ان تكون بالضرورة خيارات اخرى تهدف الى وقف وتعطيل وتحطيم ذلك المشروع.
وطالما ايضا ان جدلية الدولة الفلسطينية على الاجندة السياسية الامريكية لا يتعدى سقفها ما كان ورد في مقترحات كلينتون في محطة كامب ديفيد- 2 -وما جاء في رؤية بوش وخطة خريطة الطريق، واختزل في صفقة ترامب الى اقل حتى من الحكم الذاتي، فان معالم هذه الدولة باتت واضحة، فمقترحات كلينتون اولا التي قدمها نيابة عن باراك آنذاك لم تتعد كونها اعادة صياغة لمشروع الاحتلال الصهيوني التي وصفها ابو مازن آنذاك قائلا “ان المعروض علينا ليس حلا بل هو تنظيم لاسوأ انواع الاحتلال”.
يجمع الفلسطينيون هناك من سياسيين وباحثين وخبراء على “ان الحكومة الاسرائيلية تقوم برسم وكتابة معالم المرحلة القادمة وفق استراتيجية اسرائيلية محكمة فيما يتعلق بالقدس والمستوطنات والدولة الفلسطينية، والواضح ان وتيرة الاجراءات والخطوات الاحتلالية الرامية الى رسم معالم المرحلة القادمة اصبحت في هذه الاونة محمومة وهستيرية وكأن الاحتلال يسابق ويسبق كل الخرائط والمقترحات والخيارات الاخرى. ما يستدعي وبالحاحية لم يسبق لها مثيل اولا: خريطة طريق فلسطينية اخرى تعتمد لململة الجراح والاوراق وحشد الطاقات الفلسطينية واستمرار مشروع التصدي والمقاومة كخيار اول وممر اجباري نحو الاستقلال، وذلك في اطار خطة وطنية الفلسطينية جامعة تنخرط فيها كل الفصائل والقوى من اقصى الاسلام الى اقصى اليسار.
وما يستدعي ثانيا: خريطة طريق عربية اخرى وخطابا سياسيا عربيا آخر مختلفا عما عرفناه حتى الآن، فحواه اثبات الوزن والحضور والدور والتأثير العربي على مجريات الاحداث في المنطقة وجوهره استعادة الارادة السياسية العربية المغتصبة، وقد يقول البعض هنا: كأنط تحلم يا استاذ نوا…لن يحصل ذلك…؟!
بعض الفلسطينيين يهددون الحكومة الاسرائيلية ب”الدولة الواحدة او ثنائية القومية” ان فشل حل الدولتين، وبعض الاسرائيلييين بالمقابل يحذرون بدورهم من “ان اسقاط حل الدولتين سيجلب دولة ثنائية القومية التي تشكل خطرا على الصهيونية واليهودية والديموقراطية كما يتسابق بعض قادتهم في الآونة الاخيرة، ولذلك يطرح هذا الخيار فلسطينيا بقوة متزايدة، في ظل انغلاق آفاق التحرير والدولة الفلسطينية المستقلة -من وجهة نظرهم-، ونحن بدورنا نطرح هذه القضية للنقاش والجدل كونها قضية استراتيجية هامة ومصيرية، ونتساءل:
ما هي الآفاق الحقيقية للدولة الديموقراطية الواحدة….؟!
وهل من الممكن يا ترى التسليم بهزيمة وانتهاء المشروع الوطني الفلسطيني المستقل…؟
وهل من الممكن ان يهزم المشروع الصهيوني بالنضال الديموقراطي من داخل المجتمع الصهيوني، ليتحول الى مجتمع واحد يهودي عربي ديمواقراطي….؟!
ثم هل من الممكن حقا ان تتخلى تلك الدولة الصهيونية عن مشروعها ومحتواها العنصري وعن سيادتها وسيطرتها الاستراتيجية على كل شيء….؟!
ثم الى اي مدى يا ترى يكون التهديد الفلسطيني في الصميم، بمعنى ان هذا الخيار يشكل فعلا تهديدا لاسرائيل…؟!.
والى اي مدى ايضا يحظى تحذير قادتهم من “الدولة الواحدة” بالمصداقية…؟!.
هناك الكثير من الاسئلة والتساؤلات على اجندة الجدل حول مشروع الدولة الدموقراطية الواحدة او “ثنائية القومية”….؟!
نواف الزرو- كاتب فلسطيني