أعجبتني هذه القاعدة “الانسحاب الذكي” أو “التكتيكي”، وقُلت في نفسي كم من التعقيدات والمشكلات والخناقات الأسرية والعائلية والمجتمعية سوف تُحل وتُعالج لو طبقنا هذه القاعدة الجميلة والبسيطة التي لا يُتقنها إلا الأذكياء وأصحاب المهارات الخاصة، ممن يملكون الإدارة الذكية في إدارة الخلافات والمصاعب والتحديات.
وقاعدة “الانسحاب الذكي” ليست صَعْبة ولا مُعقَّدة، بل هي أبسط مما تتخيَّلون يا سادة، فلو حدثت مشاجرة وخناق بين الأزواج ما المانع من استخدام الانسحاب الذكي حِفَاظا على العِشْرة والمحبة واستمرار المودة؟ ولو حدث خلاف وخناق بين صديقين، ما المانع من الانسحاب الذكي حفاظا على الصداقة؟ وكذا الحال بالنسبة للزملاء في العمل، وفي جميع المواقف الحياتية، ولو طبَّقناها في الحياة التي نعيشها سوف نجني أمورا إيجابية كثيرة وستكون حياتنا أسهل وأبسط.
إنَّ هذه القاعدة الغالية والثمينة والمهمة في حياتنا تُستخدم حتى في الحرب؛ فعندما قتل عبدالله بن حذافة السهمي مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل الغساسنة -وهم قبائل موالية للروم- ولأنها جريمة لا تغتفر فقتل رسل الدول جريمة حرب، بعث الحبيب المصطفى جيشاً بقيادة القائد الكبير خالد بن الوليد (سرية مؤتة) لحرب الغساسنة، وكان الجيش يتكوَّن من ثلاثة آلاف، بينما قبائل الغساسنة قرابة مائتي ألف، ودارت معركة شرسة انتهت بإنهاك جيش الغساسنة (واستطاع) سيدنا خالد ورفاقه إيصال رسالة بأنَّ الدولة الإسلامية ليست ضعيفة، وبعد استمرار الحرب قُرابة أسبوع قرر حينها سيف الله المسلول الانسحاب التكتيكي والذكي حتى لا يخسر المزيد من الصحابة، وعندما وصلوا المدينة المنورة (ناداهم) بعض الناس بالفرار، فدافع عنهم الرسول وقال “بل هم الكرار” أي المهاجمين، فليس كل “انسحاب” هزيمة، فالقائد الذكي القوي هو الذي ينسحب من معركته إذا وجد أنَّ الاستمرار لا يُجدي وقد يُكبده خسائر، ومثل هذه “الانسحابات” نحتاجها في حياتنا اليومية التي خيمت عليها كثرة “الادعاءات” حتى وصلت إلى مستويات كبيرة؛ فالكل يشتكي: الأب على (أبنائه)، والابن على والده، والأخ على أخيه، والزوجة على زوجها، والزوج على زوجته، وارتفعت نسب الطلاق حتى ضاقت بها المحاكم.
… إنَّ قاعدة الانسحاب الذكي لا يُمكن أن يُتقنها الجميع؛ لأنها تحتاج مهارة ضبط نفس وذكاء في التعامل مع المواقف، وهي ليست ضعفا، بل منتهى القوة، وقريبا من هذا قيل: ليس الغبي بسيد في قومه// لكن سيد قومه المتغابي.
وفن التغافل بحرٌ آخر لنا فيه حديث إن شاء الله في مقال آخر إذا أسعفنا العمر، كونوا أذكياء وانسحبوا من المواقف الصعبة والمشاكل المحتدمة والخناقات (بالانسحاب) الذكي أو التكتيكي؛ حفاظا على الود والصُّحبة والمحبة، وحفاظا على الصحة والعافية في زمنٍ انتشر فيه ضغط الدم والجلطات القلبية سلَّمكم الله، ودمتم ودامت عُمان بخير.
د. خالد بن علي الخوالدي