إن الانسحاب ليس عيبا عندما يقدم الشخص عليه ، فقد يكون في حالات كثيرة نوعا من الحكمة والمنطق وحسن التصرف ، إن الشجاعة لا تكمن في الاستمرار في الأشياء التي قد تؤثر على مسار حياتنا ،وتكلفنا الكثير من الخسائر ، لابد أن تكون هنا لحظة صمت توقف يتيح الفرصة للتفكير بتعمق ورية واحاطة بالموضوع من جميع جوانبه.
وفي النظر في السيرة النبوية الشريفة من خلال قصص رسولنا الكريم نجد ما يدل على أن الانسحاب حكمة ، فقصة صلح الحديبة لخير دليل على ذلك ، فعندما ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم معتمرا إلى مكة المكرمة مع أصحابه ، فاعترضته قريش ، فأرسل إليهم عثمان بأن عفان رضي الله عنه ليخبرهم بأنه ما جاءهم مقاتلا ، إنما جاء معتمرا ، فما كان من قريش إلا أن احتجزته ، فتناقلت الأخبار ووصلت للرسول الكريم و أصحابه بأن قريش قتلت عثمان بن عفان رضي الله عنة ،فأعد الرسول صلى الله علية وسلم العدة لقتال قريش ، وبايع الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان المعروفة على الطاعة ، ولما اقترب جيش المسلمين من مكة ، تم توقيع صلح الحديبة مع المشركين التي تضمن عدة شروط ، والتي اعترض بعض الصحابة على بعضها ، معتقدين أنها لا تدور في صالح الدعوة الإسلامية ،نظروا إليه أنه نوع من الانسحاب والهزيمة للمسلمين والإسلام، التي قد تودي إلى زيادة شوكة المشركين وجبروتهم وطغيانهم ، ولكن الرسول الكريم لا ينطق عن الهوى ، يسير بهدي رب العباد ، فقد اتضح للصحابة بعد ذلك المكاسب التي حققوها من خلال هذه الاتفاقية ، والتي مكنتهم من انتزاع اعتراف قريش بالدولة الاسلامية ،التفرغ لأرسال الوفود لملك الفرس والروم لدعوتهم للدين الحنيف ، والتفرغ لقتال القبائل اليهودية خارج مكة ، وأهمها فتح مكة ، فالإنسحاب فن من فنون التخطيط العسكري لدى الرسول الكريم الذي يدل على الرؤية المستقبلية واستقراء الأحداث واستغلال الفرص.
لابد أن تكون لديك الثقة بقدراتك وبمقدرتك على اتخاذ قرار الانسحاب في الوقت المناسب لأن القرار الخاطئ سيجر توابع قد تندم عليها لاحقا ، فالشجاعة تكمن في ترك الأشياء التي تعطيها أكثر مما يجب ، وهي تعطيك أقل مما يستحق، مما يتولد لديك الكثير من الإحباط ، عندما يبدأ حماسك في العطاء في البرود والتراجع، عنما تجد أن هذه الاشياء وهذه الوظيفة ، الرحلة ، الصداقة، المحادثة ، السفر ، الاحتفالية ، الدراسة ، المشروع …… قد تؤثر على طموحاتك وأحلامك ، صحتك ، أسرتك ، عندما تجدها أنها سوف تحدث خلل لعجلة الحياة الخاصة بك .
الحياة قصيرة جدا ولا يوجد لنا الوقت الكافي لتضيّعه في عمل أشياء لا نحبها ، تزيد من حجم الضغوطات علينا ، وتكبدنا أعباء أسرية وصحية واهمال روحي ، ومالي ، وتقضي على جانب الأفكار الجياشة التي تدور في عقولنا بسبب تذرعنا بقلة الوقت ، وتسوفينا للأمور، لماذا أنت خائف من الاقدام على خطوة الانسحاب ؟ !! ربما أساعدك قليل في الإجابة من خلال تقديم بعض الاستنتاجات لك التي قد تصيب مع البعض وقد تخفق وتكون خاطئة في تفكير بعض الأشخاص ، ربما خوفك من أن تندم على قرار انسحابك ربما ، خوفك من فقد صديقك ، فقد جانب الوجاهة والمنصب ! ، تخاف من نظرة الأخرين لك بعد ترك تلك الأشياء ! قد يكون خوفك من أن تعيش في حالة فراغ ربما ! ، ربما … ، أكيد سبب الخوف الأول ، وهذا ليس غريب وليس عيب ، لكن لابد أن نكون حازمين في مواقف تحتاج منا وقفه جادة .
اشعل همتك وانطلق في طريق النجاح لا يعني أنك قررت الانسحاب أن حياتك سوف تقف عند هذا الحد ، وبأنها نهاية الإنجاز ، بالعكس هذه هي نقطة التغيير في حياتك والطريق إلى تحقيق الأحلام والطموحات ، الطريق إلى الحرية الفكرية وتحقيق الآمال المسجونة في خزان العقل ، والتي تنتظر الفرصة لفتح لها باب الحرية ،لتحلق في سماء التميز ولتبحر في بحر المغامرات التي طالما صدها التسويف والتأجيل والخوف من الفشل .
نشأ “جو جونز ” في عائلة تتكون من ثمانية أولاد ، كان هو أكبرهم سنا ، كان حلم الصبا أن يكون طبيبا ، لكنه وبسبب سوء المعيشة التي تعيشها عائلته اضطر إلى ترك المدرسة في سن السابعة ، والعمل من أجل إعالة والديه وأخواته ، ألتحق بوظائف عدة ، فقد عمل في البناء وسكة الحديد وانضم للعمل بالجيش لمدة عشرين عاما ظل يعمل في صناعة الشاحنات والدهان واللحام والحدادة وخطوط التجميع في المصانع في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا ،كان حلمه في العودة إلى المدرسة يحوم في مخيلته دائما ، وأثناء عودته من العمل ومروره بجامعة بنسلفانيا كان يقرر دائما أنه سوف يلتحق بها يوما ما ،وعندما وصل جونز السابعة والأربعين من عمره تم الاستغناء عنه من وظيفته وهو أب لإثنى عشر ولدا وجدا لسبعة أحفاد ، ولا يستطع أن يحل مسألة حسابية بسيطة ، وبعد هذه العمر المنصرم وهذه المدة التي انقطع فيها عن الدراسة ، كان بالإمكان أن يركن إلى الراحة بعد مشقة العيش وتعب العمل ، لكن مشاعره تحركت بإتجاه حلمه القديم الذي ظل يجوب في جنبات عقله وروحه، وإن كانت الأيام والمشاغل حاولت اخفاه وتحويله إلى منطقة الراحة والكسل ،الآن وبعد ترك الوظيفة والانسحاب الذي ظهر إجباري ، لكنه كان مفتاح لطريق التقدم والتعرف على طريق تحقيق الأهداف ، فقد قرر جونز العودة لصفوف الدراسة ، والسعي لنيل شهادة الدكتورة في المعلوماتية ، وحصل على الدعم والمساندة من قبل زوجته التي كانت تثق بقدراته على التفوق والنجاح في الوصول للأهداف التي يصبو لتحقيقها ، وبدأ في قضاء ساعات طويلة في المذاكرة ، ونجح جو في امتحان معادلة الشهادة الثانوية وانتسب إلى جامعة فيلادلفيا حيث استطاع دراسة عدد من المقررات الدراسة في مادة الرياضيات ، ثم تقدم في طلب انتساب إلى جامعة بنسلفانيا واقتنع المسؤولون في قبوله في السنة الثانية من الدراسة لما اظهره من رغبة في طلب المعرفة ، فشد الهمم في دراسة الرياضيات المعلوماتية ، وبالإضافة إلى أنه نال منحة دراسة ، وفي سن السادسة والخمسين كان جو يحمل شهادة البكالوريوس في المعلوماتية ، نتيجة دراسة استغرقت اربع سنوات ، لم يكتفي جو بهذا القدر من التعليم ، ولكنة زاد من إصراره لتحقيق حلمه ومواصلة دراسته وتقدمه ، حيث واصل دراسته ليحصل على شهادة الماجستير والتحضير للحصول على شهادة الدكتورة .
إن فرص النجاح لا تتوقف إياك وأن تركن لليأس لحظة ،إياك والاستماع لكلام المحبطين ،كل الأوقات هي فرصة للنجاح فليس هناك وقت معين ولا عمر محدد لتحقيق النجاح ، وقد حثنا الرسول صلي الله عليه وسلم على العمل والنشاط فقد قال ” إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ” وهذا دافع لكل واحد منا لمواصلة النجاح ، والابتعاد عن كل مثبط في سبيل نفع الأمة .
كاذية بنت علي البيمانية