التغيير من السنن الكونية التي وضعها الله منذ أن خُلِقت الأرض، وكل دقيقة بل وثانية تمر علينا في هذا العالم تحدث فيها الألف التغيرات والتحولات ، فالحياة متسارعة سرعة الضوء، فكيف كنا قبل عشرين عاماً مضى وأين أصبحنا ،فالكون والأحياء لا يكفان عن التغيير والتطور بسنن كونية ، ينكشف الكثير منها على أيدي الناس من هنا وهناك من هذه الأمة وتلك ، وخاصة على يد من يسعى للتغيير ، ولا يبخس الله الناس جهدهم وجهادهم.
وبما أن كل شيء يتغير فأكيد نحن تبعاً له لابد أن نتغير أبينا أم رضينا ،لكن الله تعالى ميزنا وأكرمنا بسنة الاختيار في التغيير والانتقاء الأصح والأنسب وبالتالي فكل منا مسؤول عن تغيير حياته و مجرياتها ، إذا أردت أن تغير في حياتك فابدأ بنفسك ،فالكثير من الأشخاص الذين رفعوا شعار التغيير في حياتهم ، تغيرت حياتهم لأن التغيير كان نابعاً من مكنون أعماقهم بعد توكلهم على الله تعالى وأخذهم بقول الله تعالى ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “.
إذًا نقطة البداية هي نفسك أنت ، أنت لست مطالب بتغيير الآخرين الأولى أن تقوم بتغيير نفسك ، فالإنسان يتحكم ويملك السيطرة على نفسه وتصرفاته و ما يحدث له ، فلا يسمح لمشاعره السلبية أو للمحيطين به أن يملوا عليه ردود أفعاله إزاء ما يحدث له، هو الذي يمتلك القدرة على التغيير ، بينما الآخرين مسؤوليتك مقتصرة على الإرشاد فقط قال تعالى ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” سورة القصص (56).
فالمدير والمسؤول والأب مسؤوليتهم تقتصر في توفير المناخ الملائم للتغيير ، فالكلمات المخلصة الصادقة التي تصدر من قلوب مملؤة بالحب والعطاء تأثيرها قوي وطويل الأجل في مساعدة الآخرين على التغيير واتخاذ القرار بذلك .
ويمكننا تقسيم الناس ينقسم إلى نوعين : أولهما الشخص المبادر ، وهو الذي يشعر بأنه محور عملية التغيير ، والقسم الثاني هو الشخص السلبي الذي يبحث عن الشماعات التي يعلق عليها أخطاءه وإخفاقه المتكرر.
يحكي المهلبي إنه ركب البحر وكان شيخاً كبيراً ومعه جارية حسناء المنظر والصوت ، كانت تخدمه وتقدم له الشراب وتعزف له العود وتغني له ، وذات يوم طلب منها الشراب والغناء ، فالتفت لشاب جالس بالقرب منه وقال له اتحسن مثل هذا ؟ قال لا ولكن أحسن أفضل منه ، قال اسمعني إذاً ، فردد الشاب قوله تعالى :” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ۗ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا “سورة النساء 77-78، كان صوت الشاب ندياً ، فألقى المهلبي الكأس وانتبه قائلاً أو غير ذلك يا شاب؟ قال ” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا” سورة الكهف 29، فقام وألقى الخمر كله في البحر وقال أمن فرج ؟ فقال ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ “سورة الزمر (53) ،فتاب المهلبي وصار من
الزهاد في زمانه ، التغيير نبع من أعماقه بهداية الله تعالى له .
فعلى الانسان أن يسعى تغيير نفسة دائما للأفضل، فالموظف علية الارتقاء بخبراته الوظيفية من خلال التحاقه بدورات تطويرية تزيد من كفاءة أداءه في العمل ، وترفع قدراته في التعامل مع رؤساءه وزملائه.
وولي الأمر عليه أن يجاهد نفسة لتعلم الطرق السليمة للتربية الصالحة لهذا الجيل الفتي ، وأن يعمل على الإستفادة من الخبرات المدروسة والعملية ، والتي أثبت نجاحاتها ، مع الأخذ الأنسب والمناسب لإسرته ولتربية أبناءه .
وذوي الدخل المحدود عليه السعي جاهداً لتغيير وضعه والبحث عن مصدر رزق مساند ، عليه أن يتعلم كيف يكسب رزقه ولا يركن للراحة ، فما من إنسان سعى وأخذ بالأسباب إلا أن فتح الله له أرزاق وأبواب من حيث لا يعلم.
على المريض أن يبحث عن العلاج في كل مكان حتى يحدث التغيير في حياته ، فالتغير مرتكز على الجد والاجتهاد والسعي ، وعدم الركود للكسل والياس والتسويف .
وحتى يكتمل التغيير يتطلب من الفرد يأخذ بعناصر التغيير التكاملي فيبدأ بالتغيير النفسي وهو التحول في المحبوبات والمكروهات سواء كان في القناعات والأفكار ، أو تغيير في سلم القيم ، بالإضافة إلى حشد عواطف جديدة في إعادة تقييم الذات ، مع زرع الثقة بالقدرات والموازنة بين الربح والخسارة في الشعور بالألم والمتعة بين الوضع الحالي والوضع الجديد .
يأتي بعد ذلك التغيير المعرفي من خلال تغيير المعارف التي تؤثر في المشاعر وتغيير في السلوك بالقوة والاتجاه ، لذلك نجد أن حياة الناس أغلب الأحيان تختلف بناء على درجة تعلمهم ، وسلوك أي أنسان محصلة نهائية لمعرفته وشعوره ، وتغيير المعرفة ليس مجرد معلومات بمقدار ما هو روابط عصبية تدفع بإتجاه سلوك معين مع كل الروابط المرفقة لها لذلك فالتجارب والاكتشافات تعتبر معرفة حافزة للتغيير لذلك كان أول تكليف لآدم – عليه السلام – تعلم الرموز والأسماء ،وأول تكليف لخاتم الأنبياء – صلى الله عليه وسلم – إدراك أبعاد مفهوم اقرأ.
وتأتي في المرحلة التالية التغيير السلوكي ويقصد بها الآليات العملية الإدارية ، سواء ما يتعلق بالحس أو الحواس ، بالإضافة إلى عمل الجوارح الأخرى الذي ينعكس على العناصر الأخرى المؤثرة في التغيير ، فالسلوك موثر ومتأثر ، والسلوك يمر عبر المعرفة والشعور ، فأي تغيير في عامل من العوامل الثلاثة يؤثر على أعضاء الجسم المتعلقة به ، وبالتالي نوعية ودرجة المشاعر تدفع الأنسان للتكيف المناسب للنسق الواقع وللاستمرار في الأقدام أو الإحجام عن السلوك المطلوب ، لذلك قم بتحديد النموذج الذي تريد فعلة ، مع ملاحظة الموقف الحالي ، ثم التمثيل للموقف الجديد ، ثم قم بالتخيل والتجريب ،وأخيراً التنفيذ والمعيشة .
المرحلة الأخيرة العمل على التغير الوجداني بحيث تشعر باللذة والألم الذي يتبعه الشعور بالفرح أو الحزن ، فهذا الشعور يتركب من الجانب العضوي (البدني ) يضاف له الجانب الوجداني (وضع الصورة الذهنية الفكرية والقيم ) ، ولأننا نتمتع بكم هائل من المعرفة والقيم فإن ذلك يؤثر على وضعيتنا الوجدانية وينعكس بالتالي على تصرفاتنا وسلوكيتنا سواء كان بالإيجاب أو السلب، لذلك فإن التغيير الإيجابي الذي نسعى يستدعي أن نكون في وضعية بدنية وصحية مناسبة ، وأن نتبنى أفكاراً وقيماً وتصورات ذهنية إيجابية مناسبة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ” وهذا هو التغير الوجداني الذي يمثله القلب .
إذا التغيير المطلوب يتعلق بطريقة تعاملنا مع أنفسنا و مع البيئة المحيطة بنا لنحدث الإنجاز الذي نسعى له، فهو يساعدنا لكسر حواجز التلبد والأخطاء وللاستمرارية في الفعالية والذكاء ، وحتى نحافظ نمونا الفطري الصحيح في البناء والتعمير، ولدفع الألم وجلب المتعة ، وزيادة الانتاجية والإنجاز .
وفي الأخير بقي عليك أن تقرر أن تحدث التغيير الذي تنشده فهيا لا تنتظر كثيراً فالقرار بيدك .
كاذية بنت علي البيمانية