من أسرة عربية مسلمة، بسيطة فقيرة، تعمل بالزراعة، ولد الأستاذ الدكتور نعمان عبد الرزاق صالح السامرائي (1935)، في مدينة سامراء أو كما تُعرف باسم (سُرَّ من رأى).
رحلة طويلة خاضها الراحل في حياته، بدأت منذ نعومة أظافره، فتعلم القرآن الكريم، وختمه وكان عمره خمس سنوات، وكان قارئاً جيداً ومهتماً بالتاريخ، وقد حفظ التاريخ البابلي والآشوري، ولم يكن الاقتصاد بعيداً عن التاريخ، فكان منكباً على قراءة الكثير من كتب الاقتصاد ككتاب (رأس المال) لكارل ماركس وكان يناقش الشيوعيون بثقافة قل نظيرها، وكان مهتماً بالثقافة الحديثة التي تهتم بالواقع والحاضر، ومصادر ثقافته متنوعة فهو أديب ومؤرخ وفقيه وداعية، إذ تخصص بالشريعة ونال درجة الماجستير من جامعة بغداد، ثم الدكتوراه في العلوم الإسلامية من جامعة القاهرة.
لقد كان الدكتور السامرائي أنموذجاً باهراً للشخصية الإسلامية الفاعلة، وفارساً لا يجارى في ميادين العلم والمعرفة والدعوة، فهو الأكاديمي المتميز، والعالم الرصين، الذي قضى حياته في ساحات الدعوة إلى الله تعالى، والعمل الجامعي، وترك وراءه عشرات المؤلفات القيمة، وآلاف المنتمين إلى تنظيم الحزب الإسلامي العراقي، ومئات الطلبة الذين هم اليوم يحملون اليوم فكره ومشروعه الإصلاحي الوطني.
من هنا، إن توثيق سير علماء الأمة المبدعون وكل من قدم إضافة أو إبداع أو تميز أو جدد في هذا الدين أمر مهمٌّ ويجب أن نتعرف على حياتهم وكتبهم نستفيد من تلك الإضافة في نهضة الأمة، ولو بشيءٍ بسيط، الراحل الدكتور السامرائي أنجز ما يقارب 20 مؤلفاً، مثل، مباحث في الثقافة الإسلامية، من قضايا الحضارة المعاصرة العلاقة بين العلم والدين، الفكر العربي والفكر الاستشراقي بين محمد أركون وادوارد سعيد، مباحث في التفسير الإسلامي للتاريخ، وغير ذلك.
لا يمكن أن نحصي فوائد العلماء والمفكرين الكبار الذين أمضوا جل أعمارهم في البحث والاستقصاء ومصاحبة الكتب قارئين ومؤلفين، والراحل الشيخ الدكتور نعمان السامرائي ذلك العالم الجليل خير علماء الأمة.
لكن المؤسف في حضرة هكذا قامات، أن يمرون في حياتهم وحتى في رحيلهم مرور الكرام، وهذا أمر مؤسف، خاصة وأن عطاءاتهم مزدوجة في بلدهم الأم والبلد التي اختاروا الإقامة فيها، ومن الجانبين نجد أن هناك تعتيماً أو تغييباً حولهم، هم بركة هذه الدول والأمة، لأنهم أصحاب نهج ومسيرة عطاء، مع التقدير والشكر لكل تلاميذهم ومحبيهم، لكن عندما تكون التكريمات رسمية لائقة بحجم عطاءاتهم هنا تهنأ الروح، وتخليد أسمائهم إن كان لصرحٍ ما على كثرتهم، لكن مع الأسف، بلادنا تحتاج إلى من يوقظها من غفلة لا يعلم بها إلا الله.
وفي وداعه الأخير ندعو الله تعالى أن يتغمد الشيخ الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي رئيس الحزب الإسلامي العراقي، بواسع رحمته ومغفرته، وأن يجزيه خير الجزاء، و(إنا لله وإنا إليه راجعون).
د. عبد العزيز بدر القطان.