الذهاب للأمم المتحدة ليس هو الطريق لإستعادة الحقوق ..الحل ليس في المحافل الدولية ..الحل عند الشعب المتحد المقاوم …الحل على قاعدة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها.
لسنا في وارد أو في معرض السجال والنقاش حول جدوى الذهاب للأمم المتحدة والتعويل على قرارات تعيد للشعب الفلسطيني وطنه السليب , وحقوقه المهدورة , وعما إذا كانت الأمم المتحدة هي الحصن الذي تلجأ له الشعوب عندما تتعرض أوطانها للاغتصاب والاحتلال , أو أنها هي المرجع والحكم العادل الذي تحتكم له الأطراف المتصارعة , سواء كان الصراع بين دول أو بين حركات التحرر ومستعمري أوطانها .
كما أننا لسنا في وارد الإستغراق في أهمية اللجوء الى ما يسمى الشرعية الدولية , والمجتمع الدولي , وعدمه عما إذا كان أحداً في الكون ليس بوسعه تجاهلها أو الإنعزال عنها , مع أن المطروح لا يكمن في أمر التجاهل أو الإنعزال .
ليس هذا هو بيت القصيد , ومن الخطأ الإنجرار الى مثل هذه السجالات والنقاشات , لأنها تحرف الأنظار عما هو مخفي وجوهري وأساسي , وربما يكون المقصود عند البعض ممن يسلط الضوء وينشغل في الكتابة والحديث وفي طرح المطولات , وفي التنظير بأن اللجوء للأمم المتحدة هو أحد محاور الصراع مع الاعداء , وأن الذهاب الى المجتمع الدولي هو السبيل الى كسب الأصدقاء , وأن التمسك بالشرعية الدولية هو الطريق لفضح من لا يتمسك بها , فيجري بذلك إحراج الخصم أو العدو , ووضعه في الزاوية توجيه اللكمات له تأنيباً له على عدم الإنصياع لمشيئة الشرعية الدولية وارادة المجتمع الدولي .
كل هذا قرأناه وسمعناه من منظري الدبلوماسية وكل هذا أيضاً إختبره شعبنا منذ تشكيل عصبة الأمم إثر الحرب العالمية الأولى , ومنذ تشكيل هيئة الأمم إثر الحرب العالمية الثانية .
إختبره شعبنا بقرارات ظالمة , وبقرارات أخرى مؤيدة ومتضامنة , ربما تكون قد تركت أثراً معنوياً , لكنها لم تتحول حقائق على الأرض , ولم ترى النور في مجال التنفيذ والتطبيق , فهذا المجال , مجال موازين قوى , ومجال مصالح دولية , ومجال لمناورات ترسم خطوطها (لعبة الأمم ) وليس مجال إقرار الحق والعدل .
لقد إختبر شعبنا عصبة الأمم وهي تعلن صك الإنتداب على فلسطين متضمنة تنفيذ وعد بلفور , واختبر شعبنا هيئة الأمم المتحدة وهي تقرر تقسيم فلسطين وتصدر القرار 181 القاضي بالتقسيم ووظيفته حينها لم تكن سوى تشريع إقامة (دولة اسرائيل) وليس دولة فلسطين , فالمؤامرة كانت تقضي بإنشاء الكيان الغاصب وليس دولة فلسطين , وشطب إسم فلسطين من الخارطة , وتغييب وطمس الهوية الوطنية الفلسطينية الأمر الذي عاشه شعبنا منذ عام 1948 وحتى إندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة .
إختبر شعبنا الأمم المتحدة بقرارات ظالمة عديدة , وإختبرها ببعض القرارات التي لم تنفذ , فأين تنفيذ القرارات فيما يتعلق بعدم شرعية الإستيطان , وبشأن حق العودة , وبشأن الجدار , وبشأن الجرائم والمجازر الذي ارتكبها العدو الصهيوني بحق شعبنا , وبشأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره .
أين كل هذا حتى يكون اللجوء للأمم المتحدة هو البديل , وهو الخيار المتاح , فهو بديل وخيار تفاوضي تسووي بالشكل , ولم يغير في المضمون شيئاً يذكر .
في هذه الدورة من إنعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن ما يهمنا هو الوقوف عند الأوضاع العالمية بشكل عام , والأوضاع والظروف التي تعيشها أمتنا العربية بشكل خاص , وجملة الأوضاع التي تعيشها فلسطين القضية والارض والشعب وتعيشها الساحة الفلسطينية تحديداً , وهو بحد ذاته يجعل من محاكمتها والغوص في تفاصيلها والتعرف على أثارها وتداعياتها الخطيرة يكتسب أهمية كبيرة أكثر بكثير من انصباب الإهتمام على خطاب فلسطيني أو عربي في أروقة الجمعية العامة وتحليل ما جاء به الخطاب , ومن ثم تندلع التحليلات والتعليقات السياسية وتنقسم الآراء بين ما يؤيد وما يعارض , بين من يشيد ويثمن ,وبين من ينتقد ..الخ.
تنعقد الجمعية العامة هذا العام وسط أحداث وتطورات ومتغيرات تحمل اعتى العواصف التي تهب على الأمة بأسرها , وفي ظل إستهدافات ومخططات ومشاريع مدمرة تسعى الى تفتيب الأمة وتجزئتها والتحكم بكل مقدراتها ..وفي ظل بناء تحالفات مع العدو الصهيوني من قبل بعض الحكام العرب وفي ظل تنامي التطبيع وعقد الإتفاقيات مع العدو الصهيوني من قبل بعض الحكام العرب , فتذهب فلسطين لمأدبة الجمعية العامة وهي تجد نفسها كالأيتام على مأدبة اللئام , ويذهب من يتحدث بإسمها هذه الأيام يتلو خطاب الشكوى والتوجع ويستعرض الأوضاع في الأراضي المحتلة عا 1967 , يذهب خالي الوفاض فلا وحدة حقيقية تسنده ولا عامل قوة يتكئ عليها ولم يأتي على ذكره المقاومة الشعبية التي جاءت في بيان الامناء العاميين مؤخراً .
إستمعنا لخطاب السيد عباس وليته لم يتحدث …ليته لم ينبس ببنت شفة..خطاب باهت لا يليق بشعب المعجزات والتضحيات , لم يأتي على ذكر صفقة القرن إلا في مجال ضيق ولم يعلن رفضه لها , وأعاد التأكيد من جديد على السلام العادل والشامل وأنه كرس حياته لتحقيق هذا السلام وذهب لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة لعقد مؤتمر دولي بمشاركة الرباعية الدولية ومجلس الأمن بهدف الإنخراط بعملية سلام حقيقية على أساس القانون الدولي والشرعية الدولية… أثبت من جديد أنه لا يتغير ولا يتبدل , تتغير الدنيا من حوله وهو ثابت على موقفه , يتمدد الكيان الصهيوني في أرجاء الأمة وهو على نفس النهج متمسك بمبادرة ذات العواصم التي مررت في غفلة من الزمن ما يسمى المبادرة العربية للسلام .
لذلك لم يسمع ممثلوا دول العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة صوت فلسطين الحقيقي , صوت يقول اما أن تفرضوا على الكيان الصهيوني الإنسحاب الكامل دون قيد أوشرط والاقرار بكامل حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة والانسحاب الكامل من القدس , وتفكيك المستوطنات ورحيل المستوطنين وعكس ذلك فإن الصراع سيحتدم والغضب سيشتعل وان دول العالم والمؤسسات الدولية ستكون مسؤولة على النتائج التي ستترتب على هذه الغطرسة والعدوان .. ولأن الأمر ليس كذلك فالذهاب للأمم المتحدة هو مناورة ومحاولة تصحيح أوضاع وتحسين شروط وانتاج الذات من جديد فلقد (قضيت حياتي الشخصية من أجل السلام) .
لقد ذهبت السلطة للأمم المتحدة دون رؤية وطنية ودون استراتيجية واضحة ودون وحدة وطنية ..لكن الشعب يعرف كيف ينال حقوقه , سيظل متحفزاً لمواجهة الإحتلال وملاحقة جنود العدو ومطاردة المستوطنين.
نعم :الذهاب للأمم المتحدة ليس هو الطريق لإستعادة الحقوق ..الحل ليس في المحافل الدولية ..الحل عند الشعب المتحد المقاوم …الحل على قاعدة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها.
أبو فاخر