في نظرة فاحصة لواقع العالم اليوم والعالم العربي بشكل خاص، وانشغالات دوله وشعوبه رسميا ومواقفهم ولغتهم وتعابير إعلامييهم ومثقفيهم وأدبائهم ومشاهيرهم بقاموسهم الذي تطغى عليه لغة الاستكبار واحتقار الآخر بسبب دين أو عرق وتعصب مقيت، فإنه من المؤسف جدا أن يرجع الناظر مصدوما بذلكم الكم من الخطاب الطائفي الفظ الذي يستدعي ويبعث الجاهلية الأولى على السطح، ليجعل لها السلطة والتحكم على مآلات القرن الواحد والعشرين، حروبه وسلامه، رضاه وغضبه…
لقد وقف الشاعر العربي يلقي قصيدته المتخمة بالغرور، واستحقار الجار القريب لأنه ليس بعربي، ومعايرته إياه بفارسيته، وأنه فيروس أمتنا، لو تُرِكَ مجوسيا لكان أفضل! ومثل هذا الشاعر دول بقياداتها وخطابها الرسمي، والذي لا نستبعد أن يكون له نضير جاهل من الطرف الآخر يستحقر العرب بدورهم ويعيرهم بعبادة أجدادهم للوثن والصنم وتخلف حضارتهم التاريخية.
أقول لو أدرك العرب مكانتهم باستقراء تاريخهم لوجدوا أن عرشهم هو دينهم السماوي الذي أخضع الأمم للغتهم الخالدة… وأن اختيارهم بيدهم في اثنين ولهم بهما نتيجتان لا ثالث لهما؛
إما الاعتزاز بربهم ونبيهم وفطرتهم والسمو على عرقهم وجنسهم، والنتيجة خضوع العالم لهم أجمع بعدالتهم وإنسانيتهم ورسالتهم السامية.. كما خضع للأوائل من أجدادهم.. عمر بن الخطاب (العربي)، وسلمان (الفارسي) وبلال (الحبشي) وصهيب (الرومي)… عُبَّاد الواحد الأحد لا شريك له من بشر ولا حجر ولا فكر ولا مذهب ولا دين… يركع العالم لهم ولا يركعون!
وإما أن يعلوَ عرقهم وجنسهم وعنصرهم على ربهم ونبيهم ودينهم ورسالته الخالدة فتكونَ نتيجته الذلة والهون… مفرَّقين ممزَّعِين متنحارين يتكالبون على أنفسهم وتتكالب عليهم الأمم من حولهم كما كان الاوائل من أجدادهم… أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف عُبَّاد الوثن والأصنام… يخضعون للقوى الأخرى ولا تخضع لهم.. كما المناذرة والغساسنة من قبلهم للفرس والروم… وكما القبائل المتفرقة في الصحراء وحروبها الجاهلة بينهم.
وأنا أخاطب هنا العرب بالخيارين والنتيجتين، فهو خطاب للإنسان أين كان، من العجم كما العرب، فالحال واحد والذلة والهوان في التعصب الشائن والتكبر من العجم على العرب كما من العرب على العجم، والسلامة في هذا لهما، بل للعرب مسلمهم ومسيحيهم ويهوديهم في العودة لثقافتهم الممتدة لألف وأربعمائة ويزيد من السنين، التي ضمنت لهم التعايش والتآلف وعدم الكبر والتجبر وحقر بعضهم بعضا بسبب لونهم أو جنسهم أو عرقم أو دينهم ومتجههم، العودة لثقافة قرآنهم لثقافة إسلامهم الذي يدعو لمكارم الأخلاق مما قدمنا، بعيدا عن قاموس العصبية والاستحقار والسب والشتم ودنيء الكلام، بعيدا عن عبادة البشر مهما علوا، ملوكا وسلاطين وأمراء ورؤساء، أغنياء وأثرياء، مشهورين ومغمورين، فهو الأصلح والأكرم في هذا العصر، بدل استدعاء وإحياء أبي جهل وأبي لهب وأمية وأشياعهم من جديد، والله المستعان.
عبدالحميد بن حميد الجامعي
الجمعة
٢٨-٤-١٤٤٣ هـ
٣-١٢-٢٠٢١ م