كتب: عبد العزيز الكيومي.
المسار: (عقبة يصب-خرس الشواغي-الزكينية-قمّة القنة-قرنة السنين-غور المعاقل-حيل الزحي-قمّة الرادار-سلسلة عقبة سيدران-قمّة البوصلة-القطعة الشرقية-صفح حبشة-العزوقية-كهف ساب النار-صفاة سنورة-وجمة)
“وادي السحتن-جبل شمس”
قومٌ تكمن متع الحياة لديهم في بطن الشغف، والإلهام، هم رفقاء دربي في سبر ما يحويه جبل شمس (جبل القنة) من مجاهل، وأسرار قادتنا لها روايات الأسلاف حينما ينبشون ما تكنه قلوبهم فيستحضرون ذكريات تمتزج فيها مشاعرهم، لتكون دافعًا يهرع بسببه الرفاق للبحث عن تلكم الأحاديث في أرض الحدث!
حزمنا حقائبنا المثقلة بالماء، والميرة إدراكًا منا لطول المسافة وجهل ما قد نواجهه، فبدأنا ذاكرين الله من (عقبة يصب) يتقدمنا قائدنا (هلال البسامي).
في بداية الدرب واجهتنا (ضبوك عقبة يصب) التي جمعت بين تدخل البشر قديما من خلال بناء طريق في مكان غير سالك البتة باستخدام الأخشاب، والحجارة، وحديثًا بتزويده بالأسلاك، والغرز الفولاذية الصلبة، وقد عبرت هذا المكان قبل التدخلات الحديثة ولا أرى لها داعٍ إلا السلسلة المعلقة التي تعينك على النزول، وعلى كل حال فالشكر والامتنان لكل من خدم تلك الفجاج قديمًا، وحديثًا.
عند (خرس الشواغي) زَهَت استراحتنا بالقهوة، وأهازيج الرزحة لنكمل بعدها الطريق إلى (الزكينية) التي تحتوي على كهوف تصلح للمبيت الصيفي، والشتوي بالإضافة لمورد مائي (كور ماء) يتميّز بالبرودة وقد أثار انتباهي كثرة أسراب طيور الغفغاف (حمام الغابات) ولعل سبب ذلك هو كثافة الأشجار وخاصة شجر البوت ذو الثمرة المفضلة لمعظم طيور الجبل، وقبل مغادرتنا للزكينية عزمت مع الرفاق أن نبيت فيها ليلة في قادم الرحلات لما يتميز به هذا المكان من إطلالة جميلة على القرى الغربية لجبل شمس (كرب والمارات وغيرها) بالإضافة إلى قرى وادي بني غافر ناهيك عن توفر الماء، والكهوف المهيأة للمبيت.
قبيل الوصول إلى (القنة) إحدى قمم جبل شمس الثلاث قرر القائد إجراء استكشاف لشرف (غور الآجآل) بحثًا عن (ساب) يؤدي لأحد الكهوف المطلة على السحتن ولكن ورغم البحث الممزوج بالمتعة، وهيبة المكان لم نعثر على هذا الساب ولم تكن لدينا فرصة لإكمال البحث بسبب تكونات السحب المبشرة بالخيرات فقررنا الوصول إلى القمة والبحث عن كهف يحمي أمتعتنا من المطر ويأوينا لمبيت ليلتنا.
عند قمة (القنة) حيث السن المعروف ب(الجمجمة) الذي يهيأ لك كأنه رمح يحمي جبال الحجر العماني من الأعداء ولنا في التاريخ عبرة، فكم حمت هذه الجبال رجال القبائل، والدين الأوفياء من شرور الأطماع.
ما أذهلنا فوق القمة روعة المكان والإطلالة السحتنية وكأنك نسرًا يحلق في السماء لتحضن عيناه الأرض ومن عليها، فبدأ الرفاق في التقاط الصور والمشاهد التذكارية، ثم أكملنا مشاورنا لتدارك الوقت قبل المطر والبحث عن الكهف الذي ننشده.
على مشارف قرنة تُعرف ب(السنين) وفي بداية دخولنا لغور (المعاقل) بدأت قطرات المطر تتساقط ورغم أننا نعرف كهفًا قد آوانا في الشتاء الفارط إلا أن انتشار الكهوف على ضفتي هذا الغور تجعل منك تنشد الأفضل خاصة وأن المطر في تزايد وعددنا يصل إلى ١١ فردًا.
بدأت عملية استكشاف الغور وما يحويه من كهوف فتوزع الفريق-من غير قصد-إلى ثلاث مجموعات وفي خضم البحث في الأماكن الصعبة والزلقة زادت غزارة الأمطار فأضفى ذلك شيئًا من المتعة، والمرح ولكن استمرار الأمطار والبرد القارس الذي ينبعث من خلال التيار الهوائي العابر في الشرجة وكذلك خوفًا من أن يدركنا الظلام يُلزمنا كل ذلك البحث عن كهف يحمينا فكانت حركتي من ضمن مجموعة القائد ومعي عبد الناصر، وناصر في أعماق الغور ودواخله ورغم البحث الحثيث لم نجد ما يناسب المجموعة وعند سماعنا لصيحات إبراهيم أن ارجعوا فلم تفلح جهود البحث لدى المجموعتين الأخيرتين قفلنا أدراجنا لنجد باقي الرفاق يحتمون في كهفٍ صغيرٍ ومتحلقين حول النار من شدة البرد بسبب الامطار، فأخذنا معهم قسطًا من الراحة مع التدفئة ورشفة شاي لنرجع بعدها إلى كهفنا السابق بالقرب من رأس الغور.
احتطب وحش الجبل، وسعود، وبعض الرفاق أما أبو اليمان فتولى مهمة طهي لحم العشاء، بينما اكتشف عبد الله، وعدي كهفًا آخر في الضفة الغربية للغور فقاما بتجهيزه لفترة المبيت بغية أن نتوزع على كهفين أما التغذية، والسهرة فكانا في كهفنا الشرقي لوطأته، وقربه من مصادر المياه، فقضينا ليلتنا نستحضر ما رأيناه بالبهجة، والطُّرف وما قد نراه في الغد، ثم خلد الجميع إلى النوم في تلك الليلة الباردة التي وصلت درجة حرارتها إلى ما دون (٨ مئوية) رغم أننا مازلنا في طور توديع شهر سبتمبر.
عند الفجر نزلت من الكهف الغربي متتبعًا نداء الحق الذي صدح به وحش الجبل في ذلك الطود العظيم حتى يهيأ لك أنه لا يكتفي بنداء الإنس بل قاصدًا الجن في الكهوف والمغارات، ومن سار بحكمهم، وبعد الريوق توجهنا إلى (حيل الزحي) حيث العلعلان الكثيف، ولا تفوّت أخي القارىء إن ارتحلت إلى تلك البقاع المهيبة أن تمتع ناظريك بمشاهدة (غور الحاجر) وما يحويه من (حوامي) انكسارية عظيمة، ثم اتجهنا إلى القمة الأعلى في عمان وهي (قمة الرادار) وعن يميننا يظهر جبل (المشط) ومن حوله قرى ولايتي بهلاء، وعبري وبعد الرادار ارتشفنا قهوتنا على إطلالة سحتنية وعلى ايقاع فن الرزحة، ثم مستأنفين دربنا نحو (قمة البوصلة) ولا يخلو مسيرنا من الاستكشاف والتمحيص فالدرب جديدة علينا، وقد أعجبنا بدرب السباق وما طرأ عليها من تحديث كسلاسل (عقبة سيدران) التي هي على شاكلة سلاسل (صفح حبشة)، ثم واصلنا إلى البوصلة التي سمعنا عنها الكثير وأردنا أن نسجل حضورنا عندها وقد دوّن (أبو اليمان) أسماءنا في دفترٍ خصص لذلك، بينما عبد الناصر، وناصر يوثقان وصولنا بالتقاط الصور، والمشاهد المرئية.
بعد البوصلة أشار علينا سعود بأن لا نهبط من سلسلة عقبة سيدران فهي ستأخذ علينا وقتا في تقفّي أثرنا السابق، وبما أن الجميع يتمتع بروح المغامرة وتطربهم وعورة الدروب سلك بنا دربا تسقطنا في (ساب) يختصر المسافة ويوصلنا إلى وجهتنا.
عند قرنة يقال لها (القطعة الشرقية) بها كهف مدخله مسقّف بغصون العلعلان، والشحس استقطعنا وقتًا للراحة ورغم وجود (قلت ماء) بالقرب منه إلا أن ما لدينا يكفي لحين وصولنا إلى كهف (ساب النار)، فحثينا الخطى نحو الكهف متخذين من اختصارات سعود مسلكًا لنا إلى أن هبطنا من سلسلة (صفح حبشة) فأتجهنا نحو (العزوقية) التي هي بمثابة رسوم دار تفصل بين قرى ولاية الحمراء، والقرى السحتنية وتصلح للمبيت في الليالي الشتوية الباردة بفضل الجدران الحجرية المحكمة الرّص، ويمكن التزود بالماء من كهف (ساب النار) المطل على السحتن أو من حوض (القطّار) المطل على ولاية الحمراء وقد أوردت شرحًا كاملًا في أحد المقالات عنهما في زيارة سابقة.
كعادة أبي اليمان أعد لنا وجبة اليوم الرئيسية وكانت في عجالة بغية أن لا يدركنا الليل قبل عبورنا ل(صفاة سنورة)، بينما استغل بعض الشباب الذين لم يزوروا من قبل هذا الكهف المتفرّد بالدخول إليه وإرضاء شغفهم، والشرب من مياهه النقية.
بدأنا درب الهبوط من كهف (ساب النار) إلى قرية (وجمة) مرورًا ب(صفاة سنورة)، و (القبيل) وكانت هذه الدرب أكثرها إثارة ومتعة للفريق المغامر، حيث أن الدرب تتقطع بسبب الصخور الملساء فتمنحنا فرصة التسلق نزولًا وتريح أقدامنا ليتوزع اعتمادنا على أطرافنا الأربعة، ناهيك عن الراحة النفسية التي نجدها في هذه السُّبُل، وأضفت مع محمود بعض المتعة والتسلية بأن صبغنا وجهينا بعصارة ثمرة العتم “الزيتون البري”.
ما أن ظهرت قرية “وجمة” الوادعة وارتشفنا من ماء “كور المَلَح” حتى أذن انقضاء مسير اجتمعت فيه ثلة من خيرة من صحبت وأنجزنا فيه استكشاف خط التقاء السماء بالأرض العمانية، لتهبط الأجساد إلى عجاج المناطق الحضرية، وتبقى الأرواح هناك حيث القمم الشاهقة.
عناصر الفريق:
١- هلال البسّامي. (القائد)
٢- ياسر العبري. (وحش الجبل)
٣- إبراهيم اليعربي.
٤- سعود الذهلي.
٥- عبدالله الهطالي.
٦-محمود الجهوري.
٧- عبدالله المسقري.
٨- عدي البسّامي.
٩- عبدالناصر المسقري.
١٠- ناصر البسّامي.
١١- عبدالعزيز الكيومي.