إن من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان بعد أن خلقه وصوّره وجعله في أحسن تقويم وبعد أن جعله في الأرض خليفة له سبحانه أنعم عليه بنعمة الاستقرار وأعطاه الأمان كي يستطيع أن يمكث في الأرض إلى ماشاء الله أن يمكث ولكي يستطيع في خلال مدة مكوثه في الأرض أن يحيى حياة طيبة مباركة وحتى يستطيع أن يمارس فيها حركته الحياتية التي سيعتاد عليها لكسب الرزق وأن يمتهن المهن التي تضفي على حياته التي سيحياها طابع الجمال والشعور بروحها الممتعة والجميلة وهذا الحال لا يتأتى للإنسان إلا بوجود حالتي الأمان والاستقرار ولهذا يقول الله تعالى : (( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ)).
أي في فترة وجود آدم ومكوثه في الأرض مستقر أي مسكن ومتاع إلى حين أي الاستمتاع بمظاهر الحياة وحركتها في نهارها ولكي يتعاطى مع سكون ليلها مع سائر مخلوقات الله بالإضافة إلى كسب الزرق والتنعم والاستمتاع بالحياة. إن هذين الحالين لن يكونا للإنسان بدون عامل الأمان؛ لأن الأمان هو أساس الراحة والسكينة للمرء فحينما يشعر المرء بهما سيزاول نشاطه المعيشي الحياتي بكل أريحية وتميز بل وسيبدع فيه أيما إبداع ولهذا يقول الله تعالى : (( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4 )). فقد كانت حياتهم في أمان واستقرار بعد أن دفع الله تعالى عنهم شر أبرهة وجيشه في حادثة الفيل والتي حكى رب العزة والجلال قصتها أيضا في سورة الفيل.
فبعد حادثة الفيل أضحت قريش في أمن مستتب واستقرار لا نظير له ولهذا كانت عندهم الحياة الكريمة المنعمة بالخير الوفير ، فقد كانوا أهل غنى وتجارة وأموال كثيرة فأعطاهم الله تعالى ما أعطاهم من الرزق المغدق ورغم ذلك لم يشكروا الله ولم يعبدوه ! حينما دعاهم محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى الإسلام آذوه و لم يستجيبوا لدعوته. فقد كانت لديهم رحليتي الشتاء والصيف وهاتين الرحلتين كانتا لقريش في الأمان الدائم الذي كانت تنعم به فرحلة الشتاء كانت تجهزها قريش إلى بلاد حمير باليمن في كل سنة في موسمها أما رحلة الصيف فيتم تجهيزها إلى بصرى الشام من قبل القريشيين في ظل أمان دائم استقرت به حياتهم سيما وأنهم كانوا وجهة كل أصقاع الجزيرة العربية لأنهم كانوا رعاة للحج وسدنة بيت الله الحرام وأهل سقاية ورفادة ! وإكرام للحجيج؛ إذاً في ظل الأمان تنتعش الحياة بالحركة الآدمية بكل عطاءاتها في بناء الأرض وعمرانها ولهذا يقول الله تعالى : (( حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا )).
فهذا حال الأرض من الأمان يومئذ والذي سينعم به أهلها حيث أنهم سيكونون في غاية من الترف والدعة والبناء والعمران؛ لذا فإنني أقول : ” إن الأمان هو نعمة من الله تعالى يجب أن نستشعرها ونحس بها وبعظمة أهميتها فبها تستطيع أن نتماهى ونتأقلم مع حياة يسودها استقرار العيش واستقرار البناء والتعمير وروح الألفة والمحبة والتسامح بين أفراد المجتمع الواحد ومقابل هذا الأمان يتوجب علينا حمد الله وشكره والائتمار بأوامره والإنتهاء بنواهيه وأن نبتعد عن نغزات إبليس وهرطقاته لكي يحفنا الله بإدامة أمانه علينا أكثر؛ لأننا كلما اقتربنا من الله تعالى ازداد لنا أمانه أكثر وعشنا في هناء وسعادة دائمين.
الأستاذ / فاضل الهدابي