
مسقط في 26 أكتوبر/العمانية/ يقدم الكاتب محمد بن سيف الرحبي لقارئه نتاج تجربته مع القراءة والكتابة، والتي تربو على أربعين عاما عبر كتاب جديد صدر عن مؤسسة “لبان للنشر”، وهي مشروعه الجديد في علاقته مع عالم الكتاب، راصدا في “شهد الكلمة.. جسر الحروف” ملامح من سيرته مع الكلمة، وهو يقطف شهدها بعد أن سار طويلا على جسر حروفها، قارئا وكاتبا، وأهدى العمل إلى “خالد، في دار إصلاح الأحداث” الذي حفّزه للبدء في مشروع الكتاب بعد تأجيله سنوات”، وأيضا “إلى أصدقاء الحياة والقراءة.. د. سعيد بن محمد السيابي، والأستاذ عبدالله بن خميس العبري، بكما ومعكما، كانت الكتب أصدقاءنا المشتركين الذين تحدثنا عنهم، ومعهم.. كثيرا”.
يشكل هذا الإصدار مرجعا للراغبين في دخول هذين العالمين، حيث يرصد في الفصل الأول “سفر القراءة” علاقته بالكتاب كقارئ، وقد بدأت منذ الطفولة، مشيرا في أول مقال بعنوان “بين قراءة وكتابة.. أمضي أقص الأثر” شغفه بهذين العالمين اللذين أخذاه كثيرا فباتا محول الحياة بالنسبة له، حتى مع عمله المهني كصحفي، حيث الكتابة عنصر أساسي في علاقته مع هذه المهنة، يقول: “مضيت طويلا (أقصّ) أثري وراء القراءة والكتابة، على يميني كتاب أقرأه، وعلى يساري (مسودّة) آخر أكتبه، لكن وراء اليمين ألف يمين، آلاف من الكتب تحيّرني كيف أهبها من الوقت ما يضيق به العمر، وخطواتي لم تعد تسابق نفسها كالسابق، فأثر الخطو محمود في تواصله، مذموم في انقطاعه، وفي كل كتاب أترقّب الوصول إلى الصفحة الأخيرة، ريثما في ساعتي ما يكفي للبدء في الصفحة الأولى من التالي”.
ويقدم الرحبي ما يراها أجوبة على أسئلة تعترض الكثيرين ممن يجدون توترا في علاقتهم مع الكتاب كقراء، منها “لماذا أقرأ؟” وغيرها من الأسئلة المتعلقة بذلك (ماذا نقرأ ومتى وكيف وأين) ولماذا لا أستوعب، في تحفيز على التمسك بالقراءة كعامل أساسي في الأجندة اليومية لكل فرد، وليست لملء فراغ من الوقت، مشيرا إلى مقولات كثيرة في هذا الجانب، ومؤكدا أننا لا نتشابه في مزاج القراءة، ولكل قارئ ما يتماس معه من موضوعات ولغة وأساليب.
وفي خاتمة هذا الفصل يقدم الرحبي مقالا عن علاقته بالقراءة، والكتب التي يقتنيها من مدن شتى لتبلغ أكثر من سبعة آلاف كتاب، وما زال الشغف بها مستمرا بما تمنحه من شعور بالأمان، كما يصف وجوده بينها، مستعرضا كتبا شكّلته، وأثرت تجربته، يكتب: في مكتبتي الصغيرة بمنزلي “المسقطي”، والتي كبرت كما كانت شقيقتها في قريتي سرور، أتلفّت عن يميني وشمالي، حولي آلاف الأصدقاء الشغوف بالجلوس معهم، فهل سيكفي العمر لأشعر بالرضا إذ لم أحضرهم من مدن شتى لأضعهم على الرفوف؟!.
خصص المؤلف الفصل الثاني للكتابة، عنوانه “اخترت طريقي”، وبدأه بمقال “بين الكتابة وروحي” واصفا الأمر “كالشهد سال الحبر من أصابعي”، مشيرا إلى أن هناك من يرغب أن يصبح كاتبا أكثر من كونه قارئا، فليس كل قارئ كاتبا، ولكن ينبغي أن يكون كل كاتب قارئا، وعلى درجة عالية من الشغف بالقراءة.
ويتحدث الرحبي عن ما يحتاجه المرء ليصبح كاتبا، كالموهبة وإدارتها والخيال واللغة والأسلوب والأخطاء الشائعة، مشيرا إلى الأشكال الكتابية (الأدبية) المعروفة، وهوية كل شكل منها، مع التركيز على فنّي القصة والرواية حيث أسلوب السرد وحركة الشخصيات داخل الحكاية، وغيرها من الفنيات الضرورية لكتابة عمل قصصي أو روائي، ومشددا على أن “عثرات البدايات” بديهية وضرورية، لكن يمكن تجاوزها بالإخلاص للمشروع الذي ينحاز إليه الإنسان، وهو يختار الكتابة كنمط تعبيري له سماته الجمالية الخاصة.
وفي خاتمة الفصل يرصد المؤلف علاقته بالكتابة، ومساره معها، منذ أن بدأ بكتابة الخواطر في مطلع الثمانينات، ومرورا في مساره مع النشر في الملاحق الثقافية والصحف والمجلات، داخل السلطنة وخارجها، مستعرضا تجربته في كتابة رواياته السبع، والتي صدر أولها عام 2001، ومع مجموعاته القصصية الست، يضاف إليها مجموعة خصصها للقصة القصيرة جدا، وأيضا مع المقالات والمسرح وأدب الرحلات، لتبلغ جميعها نحو 33 إصدارا على مدار أكثر من ربع قرن، منذ أن صدرت مجموعته القصصية الأولى، أول إصداراته، في عام 1994م، يشير بالقول “أشد أزري بالقراءة والكتابة”، وما يتسلل من ذاته إلى كتاباته، حاملة أفكاره، وأحلامه، ما يتحقق منها وما يصاب بالكسر والخذلان.
ويختتم المؤلف تجربته مع عالمي القراءة والكتابة بالقول إن هناك “لحظات فرح كثيرة، صنعت تفاؤلي بالحياة، حياة تبدأ من صفحة كتاب أقرأه، وآخر أبدا بكتابته”، وفي كلا المسارين “أسابق الزمن كي أكمل لوحتي، وأغالب الوقت كي لا ينسحب فيبقيني حائرا أمام نقصي، وأخشى أن يداهمني الموت بالنهايات ولا يزال كتابا معلقا في مكتبتي وضعته ضمن أجندة قراءاتي، أو ثمة مشروع كتاب لم يكتمل، أراه أنه خطوة أخرى أفضل من سابقاتها، ففي مرحلة من العمر يغدو المرء كمن يريد إنجاز أحلامه مخافة الغياب، كما عايشه كثيرا على امتداد العمر، حضور أصدقاء وغيابهم، حضور جسدي أو روحي، كالغياب تماما”.
يذكر أن الكاتب محمد الرحبي قام بتوثيق تجربته الصحفية، والتي بدأها عام 1987، في كتاب سابق بعنوان “الشمع لا يذوب مرتين”، مستعرضا تجربته في صحيفة عمان، ولنحو 21 عاما، وغيرها من التجارب المهنية.