إن الدين نظام إجتماعي يقوم على وجود موجود أو أكثر، ويبين العلاقات بين بني الإنسان وتلك الموجودات، وتحت أي ثقافة معينة تتشكل هذه الفكرة لتصبح نمطاً أو أنماطاً إجتماعية أو تنظيماً إجتماعياً، ومثل هذه الأنماط أو النظم عرفت بإسم الدين.
وبذلك فإن كل دين يستلزم عناصر رئيسية من تفرقة ما هو مادي وما هو روحي، ومن وجود طقوس يمارسها الإفراد إزاء القوى العلوية ومجموعة أنماط من السلوك تهدف إلى جعل الأفراد يسيرون في إنسجام مع القوى الخارقة أو ما فوق الطبيعة، ويخضعون للثواب والعقاب على عملهم الدنيوي وفي الآخرة.
وكلمة الدين عند المسلمين هي الإسلام، أي الإذعان المطلق لتعاليم الله وأوامره التي أوحى بها بواسطة الملك جبريل عليه السلام للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى: “إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه”. وبغض النظر عن الآراء الفكرية والفلسفية المتنوعة حول الدين ومنبعه ومصدره وبنيانه ومستقبله وتاريخه الذي رافق فيه الواقع الديني الإنسان منذ أقدم العصور، فإن مما لا شك فيه أن الواقع الديني إرتبط بالإنسان الفردي والجماعي.
وبالإنتقال إلى رحاب الدين الإسلامي، نتبين أن هذا الدين ومضمونه ومعالم القيم والأفكار والأحكام التي إشتمل عليها، نجد أننا أمام تراث ضخم وكبير جداً، لنجد أن الإسلام دين، لكنه شكل ماهية الدولة وطريقة الحكم فيها من الناحية القانونية، قمثلاً إعتبر الدكتور عبد الرزاق السنهوري في مقالة له، بعنوان الدين والدولة، إعتمد تقديم شعار دون تحليل، لكن نستطيع أن نستشف منه بأن نظام الحكم من صميم الدين الإسلامي، من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية التي هي شرع الله سبحانه وتعالى وأن يكون الأساس في هذه الدولة هو النظام الخلقي الإسلامي والتقاليد والعادات الإسلامية.
وقبل كل ذلك، إن القرآن الكريم كان شاملاً في ترتيب الحياة الدنيوية من قواعد الآداب والزواج والطلاق ومعالمة الأبناء والتجارة والسياسة والربا والدين والعقود والوصايا والجريمة والعقاب والحرب والسلم وغير ذلك، ما يعني أن الإسلام يشمل في مفهومه العام حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، فهو ينظم سلوك الفرد والدولة في كل مناحي الإهتمامات الإنسانية، فالإسلام هو آخر الديانات، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، والقرآن الكريم هو الكتاب المنزّل والذي يتضمن آخر الرسالات الإلهية وفيه الحقيقة الخالدة والشاملة وهو عالمي في تطبيقه وأزلي في مداه.
كذلك الأمر، النظام الإسلامي فهو ينطبق على كل البشر، والإيمان هو أصل كل القيم والعلاقات الإنسانية، والله سبحانه وتعالى مصدر السلطة السياسية والقانونية والدينية، والتسليم بذلك يعني الإيمان بأن الله تعالى هو صاحب السيادة العليا وصاحب الملك والأمر وأنه مصدر التشريع، قال تعالى: “الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً”، وبناءً على وعد الله تعالى للإنسان بأن يستخلفه في الأرض أي أن هناك ميثاق لتزم به كل إنسان حر إختار الإيمان بخالقه ولكن الإرادة الحرة ليست من صنع الإنسان وإنما هي هبة من الله سبحانه وتعالى، ويحكم على الإنسان وفقاً للشريعة التي بينها الخالق في كتابه العزيز.
ملامح حقوق الإنسان في المصادر الأولى للشريعة الإسلامية
إن القرآن الكريم والسنة النبوية بمثابة الدستور في الأنظمة القانونية الحديثة، ففي نطاق الحياة عاقبت الشريعة على جرم إزهاق الروح، وحرمت قتل النفس بدون حق، وفي نطاق حق الإنسان بالعيش في أمنٍ وأمان، فالكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تشير إلى تحريم الإعتداء على حياة وأموال الآخرين ومساكنهم، وقد فرضت النصوص عقوبات صارمة، وكانت الغاية من تشديد العقوبة هي الحرص على أمن المواطنين.
وفي نطاق التعلم وحق الإنسان بالتعلم، توجد العديد من الآيات والأحاديث التي تدعو إلى العلم، كقوله تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”، و”يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”. وأما في نطاق حرية الرأي والفكر، فلقد كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يفسح المجال للتشاور والأخذ بالرأي الحر والفكر الصريح.
أخيراً، إن الدين الإسلامي إهتم بالإنسان في كل النواحي وجعل له منهجاً ثابتاً لا يضيع له حق فيه، فالكتاب العزيز جاء على ذكر كل الظروف التي يتعرض لها البشر، فلقد ساوى بين الجميع وجعلهم أمة واحدة لا متفرقة كما اليوم.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان