عمّان في 10 يناير /العمانية/ يبتكر التشكيلي الأردني محمد سمارة أسطحا جديدةً للوحاته؛ فبدلا من وضع اللون على القماش، يقوم بوضع عجينة من الرمل الناعم والغراء على إطارات من الخشب ويرسم عليها بعد أن تجفّ تماماً مشكّلة ما يشبه قطعة من الأرض أو حائطا من الطوب والتراب.
هذه التقنية قادت سمارة المولود في مدينة القمر (أريحا) عام 1945، لرسم الظلال، تلك التي يراها الإنسان حين يمشي على الأرض، أو حين يقف إزاء حائط ما، ويرى الفنان أن الظلال تعطي تعبيرا أعمق عن الفكرة التي يريد التعبير عنها، رغم أنه لا تفاصيل يقدمها هذا النوع من الرسم للوجوه أو للملابس أو سواها، إذ يُترك الأمر لخيال المشاهد وما تمليه عليه تجربته الذاتية.
وتسمح هذه التقنية الجمع بين الرسم والنحت، إذ تظهر الأسطح أحيانا وكأنها رمال لشاطئ تتوزع عليه الأصداف، ثم يعمد الفنان إلى لصق الأصداف الحقيقية ونشرها فوق سطح اللوحة.
وفي عدد من اللوحات يمكن مشاهدة كتابات بسيطة تذكّر بتلك التي يكتبها الأطفال على جدران بيوتهم أو الأسوار الخارجية، وتبدو الكلمات والحروف غير الواضحة وكأنها مشهد يجسد الواقع، حتى إن المشاهد يشعر أنه ليس أمام لوحة وإنما يعيش داخل بيت بنافذة صغيرة، أو يقف أمام جدار حقيقي.
يقول سمارة إنه حين ينتهي من تجهيز سطح اللوحة يشعر أنه يقف إزاء قطعة من الأرض، ومن هنا يجد أن الظل هو “الرسم الأبلغ والأنسب لسطح الأرض”، وأنه “يعكس شخصية الإنسان الفريدة”.
في إحدى لوحات سمارة تظهر ثلاث طفلات يشبكن أيديهن معا ويلعبن على الشاطئ، ويوحي مشهد الظلال المنعكسة بالبهجة، لا سيما في حضور الأصداف الملونة، لكنه يعطي أيضا إحساسا بالألم بسبب الألوان المطفأة والمعتمة؛ وقد يستدعي معاناة أطفال غزة مثلاً، الذين كثيرا ما استُهدفوا وهم يلعبون على الشاطئ، أو معاناة الأطفال المهجرين تحت وطأة الحروب.. إلخ.
في لوحة أخرى لسمارة، يظهر طفل وهو يقف على الشاطئ، نرى وجهه وملامحه تتقدم سطح اللوحة، وفي الخلفية نرى ظله يمتد عبر الشاطئ، وهو يرمز للباحثين عن ملجأ بسبب الظروف الصعبة والصراعات المستمرة، وفي لوحة أخرى، هناك طفلة تقف وتنظر من شق الباب، نرى وجهها واضحاً بينما تنعكس على جدار بيتها ظلال لجنود الاحتلال الإسرائيلي وهم يصوّبون آلاتهم الحربية باتجاهها، بينما تعرّي نظرتها الحائرة والخائفة وحشية الاحتلال.
وبقدر ما تبدو الأشكال التي يرسمها الفنان محمد سمارة باستخدام الألوان المائية مسالمة وهادئة، فإنها تعبّر في الوقت نفسه بشكل عميق عن معاناة الشعوب التي تتعرض للظلم والاضطهاد، وتنحاز للطفولة التي هي الضحية الأولى للصراعات حول العالم.
وفي اللوحات الرملية لسمارة، تظهر بيوت وحقول ممتدة، ويتوزع العمال والفلاحون والأطفال والنساء في المساحات، الأمر الذي يجعل السطح يضج بالحياة ويعبّر عن ثيمات أساسية تدور حول علاقة الإنسان بالأرض وما يمكن أن يتعرض له من مآسٍ بسبب هذا الارتباط التي لا تتوقف محاولات تفكيكه من قِبل الاحتلال ليجد الفرد نفسه في مواجهة قاسية للحفاظ على هويته وتاريخه وانتمائه.
إلى جانب هذه التقنية، يمارس سمارة النحت والخزف، ويتأثر في أعماله النحتية بمدارس الفن الحديثة كالتجريدية والتعبيرية والانطباعية، حيث الأشكال الموحية والموشومة بالرموز الكنعانية القديمة، والجِرار التي يرسم الفنان عليها جموعا بشرية في رحلتها الدائبة ضمن دائرة الحياة.
/العمانية/
ع م ر