يعتبرها البعض جُرأة، حينما يرفع الكُلفة، أو المبالغة في إظهار الأُلفة. في حين هناك حالات كثيرة في العلاقات الاجتماعية التفاعلية، تعتبر خط أحمر يستوجب فرضه، خاصة في ظل الاختلاف بين شخصين مختلفين في النوع. ولأن لكل فرد الحق في رسم الحدود التي تمكنه من حماية نفسه من التدخلات غير المرغوب فيها في حياته، والكيفية التي يرغب بالتعامل مع محيطه، يُفرض على كلا الطرفين احترام ذلك الحق، ولا يتخطاه لأي مبرر كان. فذلك يُعدّ من الخصوصية، وهو حق من حقوق الإنسانية.
فقد جاء في المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لا يجوز تعريض أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص الحق في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات”. فإنّ كانت تلك المادة تضمن حماية خصوصية الفرد كونه إنسانًا، فكيف لإنسان مثلك يمنح نفسه الحق في تخطي تلك الخصوصية. فإنْ عمد أحدهم لتجاوز حدود أدب الحوار، فإنّ ذلك يُعدّ انتهاكًا لشخصك، وإساءةً لإنسانيتك، وممارسةً للبذاءة بلا وجه حق ضدك.
وللقارئ الكريم أن يتخيّل موقفًا يتحول فيه الاختلاف إلى خلاف، وما أكثرها من مواقف. إلا أنّ أكثرها سوءًا وقبحًا، حينما يقوم أحد أطراف الخلاف بإشهار أسلحته، معلنًا عليك حربه، لا لشيء، فقط لكونك تحترم إنسانيتك، ولم تتنازل عن حقك، في حفظ خصوصيتك. فيعمد المعتدي إلى استغلال السبل كافة؛ لبث سمومه، وغمومه؛ انتصارًا لذاته، وهو في حقيقته مُداراة لنقصه، وتغطية لعيوبه. فالأجدر بالإنسان الحكيم متى وقع خطأ منه، أو أساء تصرفه، أو أخفق في تقديره، أنْ يعترف بغلطه، ويحول الموقف إلى فرصة؛ لمراجعة نفسه، وتقويم سلوكه.
قال تعالى: ﴿يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. (سورة البقرة، الآية: 269). إذ يؤتي الله الإصابة في القول والفعل مَن يشاء من عباده، ومن أنعم الله عليه بذلك فقد أعطاه خيرًا كثيرًا. وما يتذكر هذا وينتفع به إلا أصحاب العقول المستنيرة بنور الله وهدايته.
إنّ احترام خصوصية الاخرين حق، فكما لا يُحبذ فرد ما لأحد تجاوز خصوصيته، فالآخرين يمتلكون ذات الحق. فمن المؤمل أن تسود المجتمع وتفاعلاتنا، أواصر المحبة، وروابط الأخوة، وصدق العلاقة. وخلافًا لذلك فقد تشيع الضغائن، وتتولد الكراهية، وحب الانتقام. وبالتالي تفاقم المشكلات، وشيوع الخلافات، التي تعطّل تقدم وازدهار المجتمعات. إذ يتطلب الأمر فهم وإدراك قيمة الاختلاف، واستثماره بعدم تحويله إلى خلاف. فضلًا عن الوعي بتجميد حريتك، عند تخطي احترام خصوصية غيرك؛ لكيلا تفقد احترامك لذاتك، وفقد احترام الاخرين لك.
د. رضية بنت سليمان الحبسية