كتب: حيدر بن عبدالرضا اللواتي
استضاف مجلس الخنجي الافتراضي هذا الاسبوع الدكتور علي فيصل الصديقي استاذ خبير متفرغ بكلية الحقوق بجامعة البحرين ورئيس هيئة تحرير مجلة “الحقوقية” وذلك للتحدث عن “التحولات الاقتصادية والتكنولوجية وأثرها على قوانين العمل بدول الخليج”. وقد حضر الجلسة عدد من الحقوقيين والمهتمين بقضايا العمل بالسلطنة ودول مجلس التعاون الخليجي. كما حضر الجلسة سعادة الدكتور جمعة بن أحمد الكعبي سفير مملكة البحرين لدى السلطنة.
وقد تناولت الجسلة عدة محاور منها الجذور الاقتصادية والاجتماعية لنشأة قوانين العمل بدول مجلس التعاون، والتحديات الاقتصادية ذات العلاقة بسوق العمل الوطنية والعنصر الأجنبي، بالاضافة إلى تحديات المستقبل وأثر دخول التكنولوجيا الحديثة على قوانين العمل.
بدأ المحاضر حديثه بالقول بأن الجائحة تفرض واقعاً جديداً على قوانين العمل نتيجة لتصورات معينة في الواقع الحالي. ولو رجعنا للماضي نجد أن عوامل اقتصادية وعلاقات العمل هي التي أدت إلى ظهور القوانين العمالية بسبب الثروة الصناعية التي ظهرت معها الحاجة لوضع القواعد والنظم التي يمكن من خلالها تنظيم وحماية العمّال. وفي المنطقة قبل ظهور النفط كان الاقتصاد الخليجي قائم على الزراعة والبحر والغوص وأعراف مهن معينة التي كنا نتعامل معها من واقع الشريعة والفقه الاسلامي وقواعد العرف. ومع ظهور النفط بدأنا نلتزم بقواعد جديدة مع مستجدات الاعمال بظهور شركات نفطية وهجرة عمالة أجنبية، والعمل بأوقات محددة للعمل، الأمر الذي أدى إلى وجود قوانين التي تطورت لتصل إلى ما عليها الان، في حين فرض التطور التكنولوجي والدورة الصناعية الجديدة أنماط عمل مختلفة خاصة اثناء الجائحة التي نمر بها منذ أكثر من سنتين.
وأوضح المحاضر أن العلاقة بين صاحب العمل والعامل تقوم على علاقات التبعية، أي يجب أن يلبي صاحب العمل حاجات العامل وما يقوم به من عمل ومسؤوليات، إلا أن العمل بالتقنيات الحديثة أدت إلى غياب الرقابة على العامل ومتابعة العمل بصورة مباشرة، أي أن الرقابة أصبحت غائبة عن متابعة العمل بصورة مباشرة وبالطرق المعهودة، الأمر الذي يخلق مشكلة لدى أصحاب الشركات وأرباب العمل. فعلى سبيل المثال، يستخدم العامل البريد الالكتروني للشركة في أغراض وأمور خاصة به، فهل يمكن له استخدامه بعد أن ينهي خدماته أو يتقاعد عن العمل؟ مشيراً إلى أن هذه واحدة من المشاكل التكنولوجية التي تواجه اوضاع العمل. فنحن نعلم بأن أداء العامل عن البعد صار ضرورة في الجائحة، ويخلق تحديات لساعات العمل المطلوبة أداؤها، في حين أن التكنولوجيا غيرّت من هذه الأفكار، وأصبحت ساعات العمل ومكانه تخضع للنقاش، وبالتالي فان تشريعات العمل أصبحت لديها تحدياً في كيفية مراقبة العمل من الأطراف المعنية، وأصبحت هذه القضايا تواجه اشكالات وتعقيدات وتحديات.
كما نرى اليوم أن قوانين التأمين واصابات العمل تواجه هي الاخرى تحديات اثناء الجائحة، وهذه المسائل تحتاج إلى نوع من الاجتهاد. ففي ألمانيا هناك قضية حصلت بسبب خروج الموظف من حجرته إلى مكتب العمل ببيته، وتعرّض لإصابة واحتاج إلى تأمين صحي، ويمكن أن تحصل مثل هذه الاشكالات في دولنا أيضا. والقضاء هو جزء من المجتمع وعليه أن يدرك أموراً في الحياة أكثر مما هي موجودة في القوانين، كما على القاضي أن يكون لديه معرفة أولية بهذه القضايا التكنولوجية الضرورية من أجل التعامل معها والاستعانة بالخبراء، مشيراً إلى أن النظام القضائي في البحرين يتعامل مع الكثير من الدعاوي الالكترونية وبنسبة 90% عبر وسائل التكنولوجيا.
وفي جلسة الاسئلة والاجوبة، طالب الحاضرون وبضرورة أن تكون إجراءات التقاضي سريعة وألّا تاخذ وقتاً كبيراً لأن ذلك سوف يشجع الاستثمار. ونحن بدورنا بحاجة إلى تشريعات تواكب الاجراءات والتقاضي الالكتروني، الأمر الذي يتطلب مساندة الافكار الحديثة من قبل المجتمع. فالتقاضي الالكتروني يسهّل العملية، والقانون وليد التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات، ومراجعتها أصبحت ضرورة ملحة لحل القضايا القائمة لحماية العمال، وهذا من تنادي به منظمة العمل الدولية. وهناك شركات كبيرة اليوم تقوم بتحويل أعمالها الانتاجية إلى دول أخرى للهروب من التزامات معينة، والحصول على منتجات جاهزة في عملية الانتاج النهائي بحيث تكمل سلسة توريداتها واعمالها من خلال هذه الوسائل.
كما أن التركيز أصبح اليوم على الانتاجية وليس على التوقيت وما ينتجها الفرد في يوم معين. فالشخص الواحد لا يعمل اليوم في مؤسسة واحدة، بل يدخل في عدة مشاريع في آن واحد وفي أكثر من مؤسسة. فثقافة العمل تغيرت من خلال المسميات، وأصبحت اسماء جديدة لبعضها، فالموظفون يقال عنهم الثروة البشرية أو رأس المال البشري.
وفي سؤال إن كانت الدول بحاجة إلى وجود نقابات عمّالية في وجود قوانين العمل، قال المحاضر بأن قضية أداء العمل في مكان العمل أصبحت تتفكك أمام الواقع الجديد، وكذلك الحصول على الراتب ووقت الدخول إلى المؤسسة والخروج من مكان العمل أصبحت متففكة، فهذه القوانين بدأت تغادرنا، فيما على المشرّع ان ينظر إلى هذه القوانين بصورة جديدة في وجود البرامج التكنولوجية.
ويرى المحاضر أن استغلال البعض لأسماء الشركات من خلال البريد الالكنروني للشركة تعتبر مخالفة للقوانين العمالية، لأن بعض العملاء يثقون بالشركات أكثر من العاملين بها، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى قيام البعض بتحويلات مالية غير مشروعة، أو يتورط في غسل الاموال. وهذا سوف يؤدي إلى قيام أصحاب الشركات بتقاضي هؤلاء الاشخاص لأن الشخص غير مرخص قانونا في هذه التعاملات.
وقال بأن القوانين خارج الدول يجب أن تكون معتمدة من قبل الحكومات أولا مثل قوانين وزارات العمل ومنظمات العمل الدولية، ومن ثم يمكن النظرأليها في داخل الدول، كما أن القاضي غير ملزم بأخذ رأي الخبير لأن في هذه الحالة يصبح الخبير هو القاضي، بل يجب أن يكون له رأي مغاير.
وحول فكرة التقادم في القضايا، قال أن هذه الفكرة غربية، وأن الشريعة الاسلامية لا تعترف بذلك، خاصة بعد مرور فترة عليها. فالغرب يتعامل في ذلك لأنه ينظرإلى استمرار المعاملات. فخلال سنة يمكن للعامل على سبيل المثال تقديم قضية إنهاء عمله وفصله للنظر في ذلك.
ويرى المحاضر بأن قضايا المحاماة سوف تشهد تطورات أخرى، حيث أصبحت القضايا يتم تقديمها من خلال توكيل مؤسسات داخلية بدلاً من تكليف مكتب أو وكيل محلي للقيام بهذه المهام والمسؤولية.
وهذا يتطلب حواراً مستمرا بين أطراف الانتاج الثلاث ( الحكومة واصحاب المؤسسات والعاملين والذي يمكن من خلالهم حل الأمن الاجتماعي والتعاون السياسي، وبحيث تكون هذه المفاوضات الجماعية مستمرة في سوق العمل خاصة في اوقات الازمات. فالجائحة وضعتنا على طاولة لتطبيق قوانين جديدة. والعوامل الاقتصادية هي التي تؤدي إلى التغيير في القوانين بحيث لا تتأثر مصالح الجميع.