مع بدايات الأفكار الجديدة منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر، وبخاصة في أوروبا هذه الأفكار التي أخذت تشكك في السلطة القائمة والمسؤولية الفردية والوعي، وتشيد بالنشاط وفكرة السيطرة على العالم الخارجي والدعوة إلى حقوق الإنسان بأبعادها المختلفة.
لقد بدأت هذه الأفكار تؤثر على طبائع الشرائح الإنسانية جميعها رجالاً ونساءً، إلا أن النساء شعرن بالأحوال المادية حيال الانتاج حيث حوربن في مطالبتهن بالمساواة، لقد خلقت المرأة جرأة متناهية للتمرد على التقسيم الذي سبق وخص المرأة بوظيفة إدامة الجنس البشري وخُص الرجل بوظيفة الانتاج على مبدأ (الرجال قوامون على النساء).
ومن البديهي بمكان أن عبارة حقوق الإنسان ينبغي أن تنصرف إلى حقوق المرأة كما الرجل لأن كلاً منهما إنسان، وإذا كانت الطبيعة قد ميزت بينهما بيولوجياً، فإن ذلك ما كان ينبغي له أن يكون له أثر ضد أحدهما كإنسان، إلا أن المجتمع الذكوري تنكر للبداهة والمنطق والحقيقة، فأقام هذا المجتمع تجاه النساء تمييزاً كانت الذريعة فيه تستند على البيولوجيا حيث أقيمت تسلسلية الأجناس من معطيات هذه البيولوجيا، وكما هو الحال في العنصرية نشأ ما يسمى الكفاح ضد الجنسية، وغالباً ما كان هذا الكفاح يستعير نفس الأشكال القانونية رغم الفوارق الهامة التي توجد بين الحالتين.
ومما لا شك فيه أن القوة الطبيعية للرجل ليست غريبة من كون أن كل الحضارات القديمة قد اعتبرته أسمى من المرأة، وإذا كانت الديانات ومنها المسيحية لم تميز كثيراً بين الرجل والمرأة على الأقل من وجهة نظر روحية، لكن حالة الأخلاق والآداب كانت حاسمة بشكل شامل حيث أقامت الحضارة المسيحية في الغرب والشرق، للمرأة مكانة أدنى ومختلفة عن مكانة الرجل، وهو أيضاً ما أوجدته الحضارة الإسلامية.
أما بعد بداية العصر الحديث، أي منذ مطلع القرن التاسع عشر، وعندما أخذت الرأسمالية تضرب جذورها بعمق وتنامت معها البرجوازية، فقد أخذ أنصار الإصلاح اتجاهات شتى في دعوتهم لتحرير المرأة.
ومن وجهات نظر معينة كانت النساء تأمل بقانون أكثر مما كان يأمل ضحايا العنصرية، لأن دونية وضع النساء كانت مكرسة قانوناً وبخاصة في قانون العائلة، وفي استبعادها من العمل والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كانت تعتبر تابعة للرجل، وإذا كان أمر تحرير المرأة موضوع مطالبة منذ زمن طويل، إلا أن هذه الجهود بقيت غير فعالة، لكن مع ذلك يمكن اعتبار القرن العشرين وما بعد على الأقل في البلدان المتقدمة اقتصادياً، قرن تحرير المرأة مقارنة مع القرن التاسع عشر وما سبقه.
وإذا كان قد حصل شيء من التطور فإن ذلك لم يكن كبيراً، وقد حصل التعديل البطيء لشرط المرأة تحت تأثير معطيات ملموسة أكثر، فلقد استطاعت المرأة البدء في المطالبة بالمساواة في الحقوق بين الفترة التي طور فيها التصنيع حاجات اليد العاملة وحيث أفقدت المكننة أهمية القوة الطبيعية، لكن المساهمة بعملية الإنتاج أشرطت فقط الاعتراف بالحقوق ولم تؤد إليها آلياً.
أخيراً، إن الاعتراف بحقوق المرأة يفترض قبل كل شيء أن تكون مساواتها مع الرجل مقبولة في العمل وأن يتم الاعتراف بحريتها ضمن الضوابط الاجتماعية إلى جانب حريتها السياسية، وهذا ما أكد عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى جانب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان