لن نتعب ولن نملَّ ولن نتوقف عن حب الوطن، وسنظلُ نُعلنُ ذلك بالنقد للذي نعتقد أنَّه خطأ، إمَّا أن تستجيبوا وتصححوا الأخطاء، وإمَّا أن تثبتوا أنَّ كلامنا غير صحيح، ليس بقوة السلطة طبعاً، ولكن بالحقائق وقوة المنطق، أو أن تعلنوها صراحة وعلى الملأ، أننا أي “نحن المواطنين” فقط نشارككم هذا الوطن بالسُّكنى والهويّة، وهنا سيعرف كلٌ منِّا قدره وحقيقة أمره وتقديره وحدوده، فربما نوافقكم ونقبل تعليماتكم، وربما نقول لكم “لا” أنتم مخطئون، ونحن شركاؤكم في عُمان بمجملها، وعليكم أن تستجيبوا للنقد البنَّاء والإصلاح البيّن والظاهر لنا ولكم.
هذه المقدمة كانت ضرورية، لإعادة تكرار طرح تساؤلات تم طرحها سابقًا، فقد كتبتُ عنها كثيرًا، وآخرون غيري طرحوها أيضًا، سواء أكانت تلك الأطروحات عبر مقالات صحفية، أو من خلال تغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لا إجابة عليها إلّا بالصمت والتطنيش، وهذه المواضيع مثار مقالتي اليوم، تتكلم عن الأمور التالية: فارق الأسعار المبالغ فيها، وفي كل شيء داخل الوطن، بدءًا من أسعار الأدوية الطبية، ومرورًا بأسعار السيارات وقطع غيارها، إلى المواد الغذائية المستوردة وتكاد تكون كلها تأتي إلينا من الخارج، أو المحلية وإن كانت قليلة وعلى رأسها الأسماك، ونحن دولة من أغنى الدول في الثروة السمكية، وهذه ثروة مباركة بدعاء الرسول- عليه الصلاة والسلام- وكذلك فواتير الكهرباء والمياه، والرسوم والضرائب، وأشياء كثيرة أخرى لا تُعد ولا تُحصى.
ترى.. هل نحن الأكثر دخلًا في المنطقة؟ طبعًا الجواب يقول “لا” بل نحن الأقل دخلًا أو قبل الأقل بواحدة أو اثنتين من دول المنطقة، وهل نحن الأقوى اقتصاديًا؟ وطبعًا “لا” إلّا إذا نظرنا إلى الاقتصاد الوطني الذي يعتمد على النفط والغاز، وهاتان السلعتان بيد الحكومة وحدها، وليس بيد المجتمع، وإذا تكلمنا عن التجارة، فهي أيضًا ليست بيد المواطن، وإنما معظمها بيد الوافدين في الغالب الأهم والأعم، أو مجرد تجارة مستترة، لأولئك الأشخاص الذين باعوا واشتروا فينا وفي الوطن.
إنَّ الهروب عن الإجابة بتعليق الآمال على الرؤية المستقبلية “عمان 2040” ليس في ذلك بالإجابة المقنعة، والمنطق يقول إنَّ الكلام يجب أن يكون عن الأمور التي يمكن للإنسان أن يلمس مفعولها في المدى القصير، ويظهر أثرها عليه ويشعر بها، وإلا سنظل نخوض في معمعة لا متناهية، أو السير وراء سراب خادع، تحكمه النوايا الطيبة وحسب. من المؤكد أنَّه لا بأس من رسم خطط لأهداف بعيدة، ولكن بالضرورة يجب أن يُشرح للناس الخطوات العملية التي ستوصل إلى تلك الأهداف المرجوة، ولكن ستكون النتيجة كما كانت نتيجة رؤية 2020 التي سمعنا عنها في إعلامنا المحلي، ولكنها انتهت ليس كما بدأت بالكلام، وإنما بالصمت المطبق، وحتى الذين كانوا يتغنُّون بها لا يعرفون ماهيتها وكنهها الضائع في واقع الأمر.
هناك شكوك تُساور المواطن في عدد من الأمور، وما أحدث هذه الفجوة الكبيرة طريقة تعامل المسؤولين سواء مع الإعلام أو المواطنين أنفسهم، إما بسبب قصر نظر المسؤول في تعاطيه مع الرأي العام أو نتيجة التعالي الذي يُولد نتائج ومآلات سلبية. ولأن الاستثمارات قد طفر ونفّر بها بالبيروقراطية الإدارية، ويقول الناس ليس من المعقول أن لا أحد من المسؤولين يستطيع التصدّي لهذه البيروقراطية المقيتة، والمصيبة الكبرى أن أصحاب الخبرة في التطوير الإداري والقيادي، وهم المشهود لهم عالميًا بذلك، تتحطم خبراتهم وجهودهم أمام السلبية المستعصية في بعض وحدات الجهاز الإداري، وذلك رغم أنَّهم ظلوا مقيمين في السلطنة لشهور طويلة، واستحدثوا لنا بعض الوسائل التي تساعد على النجاح، ولكن ما زلنا في وضع مكانك “سر” كما يُقال في الأمثال.
هناك أمثلة كثيرة على هذا الجمود الرهيب، وعلى سبيل المثال؛ مسألة تشغيل الشباب العُماني؛ فالحديث عن التشغيل كثير ومتشعّب، ولكن العُقد والنُظُم التي تعرقل، أكثر وأكبر من النوايا الطيبة، وليس لدينا أي تسامح في العمل الحر إلا في بيع المشاكيك ولو قدروا منعها لفعلوا، وهناك نظام الجمعيات الوطنية مغلق عليه في الأدراج بأقفال محكمة، وكذلك الجمعيات الأهلية التي يتم رفضها تحت حجج واهية، لأنها لو انطلقت ستكسر الاحتكار في التجارة الوطنية.
ولا ننسى أزمة المتقاعدين التي تزداد تعقيدًا بمرور الوقت، وهناك نسبة كبيرة من المتقاعدين يمثلون كفاءات وقدرات عملية وعلمية، ورغم أنها سوف تكون منتجة، فهم يواجهون أبوابًا مغلقة، اللَّهُمَّ إلا أنهم تفضلوا عليهم مؤخرًا بالذكر، ولكنه في مقام الذَّم، وسمحوا لها بالاحتطاب وهي مهنة متدنية، وكذلك مستحيلة لعدم وجود غابات من الأشجار للاحتطاب منها، ومعاشات هذه الفئة من المجتمع متدنية ومتفاوتة تفاوتًا غريبًا وعجيبًا، وهي فئة مهملة معنويًا واجتماعيًا، وكأن هناك من يريد أن يتنكر للرجال الذين بنوا هذه النهضة الحديثة من تحت الصفر، وهذا تنكر خطير ومريب في حق المتقاعدين، وكأن هناك من يدفع بهم إلى الاحتجاج والاعتراض، ولكن السَّمت والأدب العُماني، يمنعان المتقاعدين من الخروج إلى الشوارع في مطالبات حقوقية، كما يفعل الآخرون في بلدان أخرى.. ولكن الطبائع البشرية لا يُمكن الإكثار عليها بالضغط والإهمال المتعمد.
فإلى متى سنظل نردد قول الشاعر: “لقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياء عفواً حياة لمن تنادي”.. حفظ الله عُماننا العزيزة وشعبها الأبيِّ وسلطانها المُبجَّل.
حمد بن سالم العلوي