فلان صاحب سيارة المرسيدس الألمانية الذي يرتدي (كندورة) قطنها إنجليزي ويلبس ساعته (الرولكس) السويسرية ويرتشف في كوب صيني قهوته (اللاتيه) الإيطالية وبعدها يخرج هاتفه الآيفون ليكتب مزهوا بنشوة في حالة الواتس آب : كفاكم إفتتانا بالغرب!
لا أفهم محاولة صاحبنا المفتي فلان للعبث بالكلمات وتشويهها ووضعها في غير سياقها فما يراه إفتتانا هو تقدير لمخرجات تلك الحضارة وليس تمجيدا لذاتها والتقدير يكون للتفوق في جوانب المدنية الحديثة وريادة عالم الصناعة والتجارة والزراعة وغير ذلك من المجالات التنموية الحياتية والأمر ليس مرهونا بالغرب فقط بل يأتي في ذات السياق التنين الصيني الذي لا يزال يبهرنا في عالم الإقتصاد وهناك أيضا دولة كوريا الجنوبية العصرية وهناك الإقتصادات الصاعدة ذو الأسواق الواعدة مثل البرازيل والهند وجنوب افريقيا وعليه فإن نظرة الإفتتان التي يشير إليها صاحبنا تحتاج لعدسة (عين السمكة) لتبلغ مداها الأكبر.
إن إقتباس الصالح من الحضارات الأخرى ليس من الإبتداع المحرم وهناك أمثلة في تاريخننا الإسلامي تؤكد ذلك مثل فكرة حفر الخندق حول المدينة المنورة والمقتبسة من الفرس وأيضا فكرة نظام الكراديس الذي يحاكي التنظيم العسكري الروماني وأيضا فكرة إنشاء الدوواين وتقسيماتها الإدارية وبشكل عام فإن تلك الإقتباسات لنجاحات الآخرين تشجع على تحقيق ذات النجاحات لدينا طالما سلكنا مسارات تحقق نجاحها من روح متحدية وطموحات لا يرى لها سقفا.
استغرب من إصرار البعض على إعتناق دين المخالفة المطلقة وأن المدح للحضارات الأخرى هو ذم لحضارتنا – التي نعيش على بقاياها الآن – وهذا شطط فكري غير متزن يبرز شخصنة الحضارات بعيدا عن تجاربها وأفكارها، وهناك تضيع فرص اختصار الخطوات واللحاق بالمنافسين المتفوقين ويهدر الوقت والجهد ويزيد الإنكفاء المبالغ به على الذات لنظل في ذات التيه الذي عاشته شخصية سرحان عبدالبصير في مسرحية (شاهد ما شفش حاجة) بقول سيادة القاضي له : حدد (يا ابيض يا اسود).
إن النظر لكوب الماء الفارغ للحضارات الأخرى يفوت على حضارتنا العطشى الفرصة بأن يبتل ريقها بنصف الكوب المملوء وأتذكر هنا قراءة لقصة الفتاة التي أرادت عمل (تان) لبشرتها لتكون أجمل بسمرتها وإذ بها تستمع لسيدتين تقول الأولى منهما : (شكلها مريضة أو فيها بلاء) وترد عليها الثانية : (وانتي الصادقة.. لا صلاة ولا عبادة! ). لابد أن نخرج من الأطر التي نضع بها الآخرين دون سبب واضح وأن نكون ذا نظرة إيجابية تريد خلق الفارق وتحقيق الإضافة وليس كنظرة صاحبنا مرتشف قهوة(اللاتية).
محمد سيفان الشحي
٢٣ يناير ٢٠٢١ م