قبل الخوض في غمار هذا البحث، لا بدّ من ذكر الحقيقة الأهم، الحقيقة الدافعة لي شخصياً لأن أخط كلماتي هذه حول هذه الشخصية ومن سيليها من شخصيات، من المحبة أكتب، ومن باب الوفاء لمن نظر إلى الكويت بكل ما فيها بعين الأب والإبن والأخ، ثقافياً وفكرياً ودعوياً وتربوياً، والبداية مع العلامة الشيخ صلاح السامرائي الحسيني رحمه الله.
لكل بلدٍ تاريخها النضالي والدعوي، وفيه شخصيات كان لها الأثر الكبير في نشأة النهضة وصعودها، وأخص بالذكر في سلسلة من المقالات، يسعدني أن تكون البداية من بلدي الكويت، التي كان فيها شخصيات كثيرة تأثروا بها وأثروا فيها، وتحديداً بفترة تاريخ نهضة دولة الكويت في القرن العشرين.
من باب الإنصاف علينا ذكر كل من كان له دور في هذه النهضة سواء من المواطنين الكويتيين أو من الأشقاء العرب، الذين سكنوا الكويت، وكان لهم دوراً كبيراً في نهضة الأمة كما لو كانت بلدهم الأم، واليوم نفتتح هذه السلسلة مع شخصية دعوية جميلة كانت مؤثرة في تاريخ الكويت، وكانت مؤسِسة لأكثر من جمعية في دولة الكويت، هي شخصية من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، شخصية دعوية كان لها الأثر الكبير وارتبط بكل علماء المسلمين حول العالم من فلسطين إلى العراق فسوريا وتركيا وغيرهم.
نسب وعلم مشرّف
عن الشيخ صلاح السامرائي الحسيني بن أحمد إبراهيم عبد الله السلطان بن حمد بن عبد الله بن إبراهيم بن داود بن مهيدي بن إبراهيم الباز بن السيد عبد الهادي بن السيد عثمان بن السيد حسين بن السيد مهدي بن السيد محمد بن السيد مراد بن السيد أمير بن السيد ثابت بن السيد عباس بن السيد ابراهيم بن السيد مهدي بن السيد جمعه بن السيد نعمان بن السيد هادي بن السيد سيف الدين بن السيد معروف بن السيد حسن بن السيد موسى بن السيد عبدالله بن السيد محمد بن السيد محسن بن السيد يحيى الصوفي بن السيد جعفر الزكي بن الامام علي الهادي بن محمد الجواد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أتحدث.
ولد الشيخ السامرائي رحمه الله في محلة الكرخ ببغداد سنة (1945 م)، وتلقى مبادئ التلاوة والتجويد والقراءة والكتابة في الكتاتيب، وتعلم على يد الشيخ العلامة المقرئ محمود عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
الشيخ السامرائي رحمه الله من العلماء الكبار، وواجب علينا تعريف الأجيال الحديثة خاصة الدعاة منهم في المجتمع الكويتي حول تأثير هذا العالم في مجتمعنا وخاصة في الحقل الدعوي، المحدث أنس رحمه الله شخصية كان مهتماً بعلم الحديث “السلفية التقليدية”، واللغة وهو كما أشرت من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن سكان بغداد، وله تأثير كبير في عهده على الشارع الكويتي وعلى جمعيات مهمة مثل جمعية “الإصلاح الكويتية” وخاصة أنه كان من أهم روادها وكان عضواً فيها ومساهماً إلى جانب من كان فيها في ذاك الزمان، وأيضاً جمعية إحياء التراث الإسلامي، التي أسهم في تأسيسها إلى جانب مؤسسيها الأفاضل وكان بارزاً فيها، التي تأسست في العام 1979، وبرزت رسمياً في العام 1982 وهي جمعية خيرية نفع عام تحت مظلة وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بدولة الكويت، كانت مع جمعية الإصلاح ذات طريق واحد، ولها مجلة تصدر عنها واسمها (المجتمع) الكويتية ذات التوجهات المتعلقة بالمجتمع الكويتي سياسياً ودعوياً، إضافة إلى اهتمامها بأمور المسلمين في الخارج.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن جمعية الإصلاح الكويتية هي: هيئة إسلامية تعمل لتحقيق الصالح العام الذي جاء به الإسلام وما يتصل بذلك من أعمال مشروعة، وهي جمعية نفع تخدم العديد من الجوانب الاجتماعية والثقافية والخيرية في المجتمع منذ إنشائها وإشهارها في العام 1963.
ومن الجدير بالذكر أيضاً، أن الشخصيات المطروحة والتي طرحت والتي ستطرح لاحقاً، يجب الاهتمام على الإضاءة على دورها كل في الحقبة التي نشط فيها، أي أخطأ؟ وأين أصاب؟، أين طوّر؟ وأين أجاد؟ وما هو الموروث العلمي الإسلامي الذي تركه؟ وبماذا برع؟ فهذه الأمور واجبة على كل مفتخر بعلماء أمته من كل البلاد العربية والإسلامية، بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية أو العقدية أو الفكرية، فشخصية اليوم على سبيل المثال، وقع عليها ظلم كبير وتعتيم كثير، عندما تذكر جمعية إحياء التراث الإسلامي وجمعية الإصلاح، قامات كبيرة، دون ذكرها، أو ذكر الأثر الذي تركته في نفس دعاة كبار في عالمنا اليوم خاصة وأنه من جيل التأسيس للجمعية، أمثال الشيخ الداعية المرحوم عبد الرحمن عبد الخالق الحاصل على الجنسية الكويتية لما قدمه لدولة الكويت.
إن الشيخ صلاح السامرائي الحسيني من المفترض أن يقدّر ويبجّل ويكرّم حتى من بعد رحيله، وابنه اليوم، العلامة المحدث أنس صلاح أحمد إبراهيم عبد الله السلطان بن حمد بن عبد الله بن إبراهيم بن داود بن مهيدي بن إبراهيم الباز، الموجود حالياً في دولة العراق الشقيق، فعلى أقل تقدير من الواجب دعوته من قبل جمعية إحياء التراث الإسلامي وجمعية الإصلاح، ووزارة الأوقاف والدولة الكويتية، وأن يكرّم والده على حياته وهو ابنه البار الذي سار على ذات نهج وخط أبيه، فالعلامة أنس هو أحد المحدثين البارزين في الحركة الإسلامية والفكر الإسلامي.
لقد اهتم العلامة السامرائي بأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، المتصلة المسندة، أو كما تسمى “مدرسة الاثر” لكن برأيّ هم من أصحاب “مدرسة الحديث”، لكن في فترة الصحوة الإسلامية في سبعينيات القرن الماضي كانت الأطياف الإسلامية جميعها متشابكة بعضاً إلى بعض، لكن الشيخ السامرائي كان من المتمسكين بمدرسة الحديث القديمة، ومن المعروف أن أعلى الأسانيد هي الأسانيد البغدادية المسندة لأئمة أهل الحديث، لكن بحكم النهضة الكويتية في فترة عيشه فيها تأثر فيها خصوصاً مع تشكل جمعيتي الإصلاح والإرشاد الإسلامي المُشار إليهما أعلاه، وبالتالي كان له إسهاماً في الحركة الدعوية الكويتية والثقافية طبعاً، فهو عالم بارز مر في الكويت ونفتخر فيه جداً، وإلى جانب اهتمامه بالأحاديث النبوية، كان مهتماً أيضاً بآثار السلف الصالح، حيث نشر وطبع ما يقارب الـ 3000 كتاب وكتيّب ورسالة للأئمة المتقدمين طبعت على نفقته الخاصة، حيث كان منفتحاً على الجميع، حيث لم يستثنِ أي مذهب في مطبوعاته تلك، والتي كانت بأسعار رمزية لكل طلبة العلم من جميع الاختصاصات.
فلقد ربى العلامة صلاح السامرائي الحسيني جيلاً كاملاً من الدعاة والفضلاء، وهو الحريص كل الحرص ألا يروي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أن يكون حديثاً صحيحياً ومتصلاً ومسنداً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا المنهج العظيم الذي نريد أن يطبقه كل مسلم على وجه المعمورة، أي أن يكون منهجنا متصلاً بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشيخ العلامة السامرائي له كتب كثيرة في حقله الدعوي، منها كتاب (قصة الإسراء والمعراج بالأحاديث الصحيحة، وكتاب الفراسة)، لكن مع شديد الأسف، فهي مهملة كثيراً وهنا نوجه عتب محبة إلى كل أصحاب الشيخ السامرائي الموجودين في الخارج، لعدم الاهتمام بهذه الكتب وإبرازها لما لها من قيمة علمية كبيرة، سواء على صعيد الطباعة أو التحقيق ونشرها، ولا بد من التعريج على أهم أعماله رحمه الله، من قبيل التأليف والتحقيق:
تأليف مختصر شرح العقيدة الطحاوية، أحكام العقيقة والأضحية، تحقيق كتاب الفراسة لابن قيم الجوزية، الإسراء والمعراج بالروايات الصحيحة، تحقيق الأربعون مشيخة شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق شرح العقيدة الطحاوية على ثلاثة أصول خطية تحقيقاً نادراً، ومع الأسف الشديد منع من الطبع والنشر لكاد أن يكون مرجعاً مهماً لطلبة العلم في هذا الحقل.
سأتحدث قليلاً كما روي لي من ولده العلامة الكبير أنس السامرائي، حقيقةً عندما بدأت أتخيل طريق حياة الشيخ الراحل منذ أن وطأ الكويت، سرت معه لحظة بلحظة، كيف ضم البسطاء إلى جناحه وأمدهم بالموعظة والإرشاد، كيف أخذ على عاتقه عملية نقل ونشر العلم لأبناء الكويت وكأنهم جميعهم أبناءه، من القهاوي الكويتية بدأ عملية الوعظ، واستمر فيها، لكن للأمانة يضيق الصدر عندما نعرف كيف استشهد الشيخ الجليل المناضل في العام 1993، وكيف منع أهله من إقامة أي مراسم للعزاء، ولكن بنوه قاموا بنقل جثمانه سراً إلى بيت أحد أصحابه وهو الدكتور محمود داود المشهداني وحضر بعض أصحابه خلسة أيضا وصلوا عليه الجنازة ومن ثم شيع في جنح الظلام إلى مقبرة الكرخ الإسلامية ليدفن هناك رحمه الله تعالى وعندما سمع العلامة ابن باز بخبر استشهاده دعى لصلاة الغائب فصلوا عليه الغائب واتصل بإدارة الحرمين أن يصلوا الغائب عليه وكذلك فعل الشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني والعلامة محمد إبراهيم شقرا في الأردن وصلي عليه الغائب في الكويت في أكثر من مسجد وكذلك فعل بعض أصحابه في مصر أيضا، رحمه الله تعالى وألحقه بالصالحين.
العلامة السيد صلاح السامرائي الحسيني شهيد ومناضل وتاريخه المشرف يتحدث عنه، لكن كل ما أتمناه أن أكون قد أنصفته في كلماتي القليلة في حقه، في رحلته مع العلم والإيمان، وبصمته الحاضرة في الكويت، وشعبها ونهضتها، يكفيني فخراً أن أقول إنه ابن بلدي كما العراق بلدي وكل بلد عربي هو بلدي.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان