شاع في مجتمعنا أن نأكل على ذوقنا ونلبس على ذوق الناس ,لأجل الناس منذ خروجنا لهذه الحياة فإننا نسعى لإرضائهم في الأول والأخير فنحن نسمي أولادنا وفق ما يتماشى مع ذوق الناس لكي يقال بأن الأسم عصري يتناسب مع أسماء الأيام هذه ,ندخل أطفالنا مدرسة معينة لأن الناس يجدونها أفضل حتى لو كانت الإمكانيات محدودة فنحن نتصرف لأجل منظرنا الإجتماعي أمام الناس ,نختار لأولادنا التخصص العلمي حتى لو كانت رغبته الأصيلة هي الأدبي ففرص العمل بالتخصص الأدبي شحيحة وفي النهاية نحن الأباء نعلم ماهو الأفضل لأبنائنا.ترتب الأبنة خيارات القبول فتضع في مقدمة خياراتها كلية مختلطة يغيرها أخاها بدون علمها لأن خيارها يدخل في حدود العيب وغير المسموح في عقليته هو يرى بأن الكلية غير مختلطة تحفظ كرامتها وعفتها كبنت.أب يعمل في المجال الفني يغرس حُب الفن في روح ابنته تمارسه بشغف لسنوات ثم يتعرض لضغوط مجتمعية بأن ابنته لن تحضى بزوج بسبب المجال الفني فيحرمها منه .
بينما أن أقلب هذه المشاهد في رأسي تذكرت محاضرات مقرر الجغرافية السياسية في مرحلتي الجامعية إذ تحدث الدكتور مرةً عن جغرافية الفكر لدى الفرد العربي مقارنًا إياها بالفرد الغربي فقال بأن الفرد العربي يحمل أحلام وآمال وطموحات العائلة والقبيلة أي أنه في حالات كثيرة يعيش حلم والده أو رغبة والدته بأن يكون مهندسًا أو طبيبًا وعندما يشق طريقه للعمل عليه أن يختار المهنة التي تناسب القبيلة وتتوافق معها فهناك تراتبية في المهن وفق العرق أي أن هناك حرج ُإجتماعي من بعض المهن كقطاع العمالة المنزلية والنادل والحلاق وغيرها من المهن البسيطة.إن نجاح الفرد في تحقيق رغبة الأبوين هو بمثابة فخرعظيم للقبيلة يمتد من أقصاها إلى أقصاها وفي المقابل فإن فشله الدراسي أو في مسارات الحياة قد يسبب شرخًا في علاقته مع منظومة القبيلة التي قد تلحقه بصفات الخيبة و بالعقوق والعار.في المقابل فإن الفرد الغربي يستقل في سن مبكر ماديًا ليعمل ويدرس في نفس الوقت يختار تخصص يرغب به في غالب الأحيان حتى لولم يتوافق ذلك مع رغبات أبويه فهم يعطونه مطلق الحرية في التجربة والتعلم ففي حالات كثيرة قد يكون الأبوان ميسورين ماديًا وذوي واجهة اجتماعية معروفة ولكن ابنهم يرغب في تعلم عزف الجيتارأو النحت أوغيره من العلوم الإنسانية له مطلق الحرية في ذلك ،فشل الفرد الغربي هو فشله وحده في اختياره ،العائلة لا يلحق بها العار أو الفضيحة أو الأسئ بسبب فشل فردها ففي عالم الغرب كل شخص يختار وهو مسوؤل عن هذا الإختيار وهذا يذكرني في عبارة قرأتها في كتاب الكوميدينو تقول “الإنسان الغربي يحسد الإنسان العربي على حياته الإجتماعية والإنسان العربي يحسد الإنسان الغربي على خصوصيته “.
إن شريط الحياة الروتيني يبدأ بالدراسة ثم التخرج ثم البحث عن عمل ثم الوظيفة ثم الزواج ؛دراسة التخصص الذي يريده المجتمع ويراه مناسبًا،العمل في وظيفة حكومية لسنوات دون المغامرة الوظيفية أو التفكير في فكرة لمشروع مربح بجانب الوظيفة ,الزواج من ابنة العم كما تقتضي العادة أو بالتي تريدها الوالدة كحد أقصى,كذلك نحن الفتيات ابن عمنا ينتظرنا وإن لم يكن هناك من هو متاح منهم فلا نخرج من أبناء قبيلة حتى لو كان ذلك سيضاعف من فرصة أمراض الدم فلا بد منه سنة الحياة والقطار سيفوت, ثم تقرر العائلة عدد الأبناء الذين يجب أن ننجبهم بل ويختارون أسمائهم التي إن ناقشناهم فيها يغضبون وينبذوننا خارج العائلة.
حياتنا معلبة في علبة تشبه علب السردين جاهزة تعطى إلينا منذ نعومة الأظافر وكأنها تحمل ختمًا يقول”العلبة التالية لا ترد ولا تستبدل عليك فقط التنفيذ ” ماذا سأدرس؟ وأي تخصص يناسبني؟ أين يجب أن أعمل ؟وبمن سأرتبط ؟هذه الحياة الجاهزة تنتج نسخًا مكررة لا تخرج من دائرة الراحة تخاف المغامرة تنظر لكل شي يختلف عنها بأنه مضر وخطأ وغير صالح هذه النسخ تحرق المراحل تستعجل الوصول لما يريدها المجتمع أن تصل إليه فلا تستمتع بالرحلة .كنت أشاهد فيديو تحفيزي ذكر فيه “بأنه لا بأس أن لا تكون متزوج بعمر 30 لكنك سعيد,لا يزال ممكنًا أن تبدأ بتكوين عائلة بعد بلوغك 35 ،لايزال رائعًا أن تشتري منزلًا بعد بلوغك 40 لا تدع أحدا يدفعك وفقًا لوقته الزمني فليس كل مايحصى يحتسب وليس كل مايهم يمكن إحصاءه علينا أن نكون قادرين على صنع حياة ذات معنى هادفة ومرضية نعيش بها ونتعلم كيف نستفيد منها لنترك أثرًا واختلافاً في حياة الآخرين هذا سيكون النجاح الحقيقي “.
ماضر المجتمع لو درست التخصص الذي أحب وأعطيته من جهدي ووقتي وأنجزت فيه ؟ ماضرهم لو لم أصبح طبيبة أو مهندسة ؟ماذا لو كنت رسامة ًأو فنانة أو مصورة ؟ لو فتحت كشكًا صغيرًا وحققت حلمي بأن أبيع الكُتب ؟ ماذا سيحدث لو أن قطارهم المدعو فاتني؟ في كل الحالات إني لا أهوى القطارات أُحب أن أطيرأن أجري خلف الشغف خلف ما أحب
الحياة المعلبة التي يدسونها بين أصابعنا منذ الصغر لا تناسبني
فلنخرج من علب السردين الرمادية وننطلق !
سندس بنت سعيد البادرية