ربما من النفل اليوم بيانُ حاجة أي أمة لمواطن ومسؤول شريفين، يُعْنَيان بالدولة، ويسهران على راحتها!
إن ثنائية المواطن والمسؤول الشريفين ثنائية متكاملة في بناء الحضارات وتطورها، وتكاملُهما مطلبٌ حثيث لضمان التصحيح الحقِّ، والتوجيه الصادق للدولة نحو الرقي والازدهار، وفي خلل أحدهما تكون طامةٌ عامة، فضلا عن خللهما معا، وفي هذا الجزء سنتناول أولهما وهو المواطن، لأنه أساسهما جميعا.
إن من مظاهر خلل المواطن هو المسارعة في إذاعة الخير والشر ما وصله، دون قياس “هرجة”، ولا بيان حقيقة، لا سيما وأدوات ذلك متوفرة ومنتشرة في شكل وسائل التواصل الاجتماعية وصورها المختلفة اليوم، فتراه مندفعا كل الاندفاع مع القطيع على المثل السائر “مع الخيل يا شقرا”، وأكثر هذا الاندفاع أيامنا هذه في الشر قبل الخير، وفي سوء الظن قبل حسنه، عبر نشر ذلك الكم من السوداوية والشك، وعبر إقامته نفسه مراقبا عاما، دون تحصله على أساسيات هذه المراقبة، من الوقوف على الحقيقة، إلى استخدام اللغة التي تحتاجها لبيان ما عليها ومالها، ومثال ذلك هو المقابلة العجيبة لبعضهم في تغريدتهم بين أشاوس الدفاع المدني في السيطرة على حريق صناعية الوادي الكبير الأخير، والمسؤلين -بصيغة التعميم- الفاسدين، في إيحاء مخل بأن الأصل في مسؤلي الدولة الفساد، ونسي أو تناسى أن أولاء الأشاوس في الميدان ينتجهم رجال أشاوس في القيادات المسؤولة، وأن البعض جزء من الكل، والمنظومة تبقى واحدة، أو ذلك الذي مر على فقير يبيع ما في يده، فظنه عمانيا، ثم تباكى وختم تغريدته (كان الله في عون هذا الشعب)، في إيحاء ضال أن الفقر تنتجه الدولة وتسهر عليه وتريده لشعبها، ونسي هو الآخر أو تناسى ربما أن الفقر أمر مقضي وكائن، ولا يخلو منه زمان ولا مكان، ولو كان زمان نبي، (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ)، بخطئ الإنسان وجهله في بعض اختياراته الحياتية وتصرفاته خلال مسيرته، أو بيئته وبعض قناعات خاطئة تتبناها، فضلا عن حقيقة وجود بعض إخواننا من جيراننا بيننا، ممن اضطرتهم الحروب في بلدانهم للنزوح لأوطانهم العربية الأخرى، ومنها عمان، فقد يكون ذلكم المشهد لأحدهم، كما أن هناك من يدفع ولده للبيع دُربةً وتعليما وهواية وليس عوزا ولا حاجة، وغير ذلك من حالات حقيقية واقعة، لم يتسلق أيٌ منها سور المغرد الغيور وهو ينقل لمتابعيه تلكم الشهادة المجروحة!
ومن خلل المواطن المقابل هو التصفيق والتهليل لكل صادر عن المسؤول كان ذلك مكانه أم لم يكن، والمنافحة عن كل قرار قد يصدر وإيجاد التبريرات له مهما كان أثره وخطره، وإبرازه وكأنه بلغ الكمال والجمال والجلال، بأنواع القرارت، مراسيمَ وقوانين وغيرها، مما يعطل سنة المدافعة (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)، ويُفَوِّتُ الفرصة على صاحب القرار المسؤول وعلى الوطن في التصحيح أو إيجاد الأصح من القرارت، المفيد للوطن أمنيًا واقتصاديا ورفاهة على المدى البعيد، وربما في تلقي مرسوم النظام الأساسي الأخير ومادة الحكم فيه خاصة وما رافق ذلك من لون واحد في تلقيه بالتسليم المطلق -وضر ذلك على المرسوم ذاته أكبر من نفعه- مثالٌ على عدم أداء المواطن حقه من قراءة مسددة هادفة هادئة، ولو بترك الأصوب للمصيب، والأحسن للحسن، فضلا عن الصواب للخطأ، عبر مقابلة المادة بتلك التي كانت في النظام الأساسي الأول، والمفاضلة بينهما، وبيان شرف الواحدة على أخرى في حفظ عُمان على المستويين القريب والبعيد، إلى غير ذلك من مواد تتفاوت بين النظامين، وتترجح بينهما، جاعلين الغاية والهدف عمان الوطن، شعبا وقيادة، مكتسبا ومنجزا، حاضرا ومستقبلا.
إن هذه النوعية من المواطنين وصفهم خالقهم في سياق توجيهي في كتابه وصفا دقيقا فقال؛ (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)، فالإذاعة بالخبر بتلقيه ونشره خيرا وشرا تسليما وقضاء ليست محمودة مطلقا، كما أنها ليست بناءة أيضا، وما يجب على الأمم المتقدمة وأفرادها هو تلقي الأنباء ووضعها في موضعها، ومعالجتها لذاتها، والنظر في تأثيرها الآني على المكتسب القائم، والمستقبلي على الأجيال المتعاقبة، وعدم عزل الدولة عن عموم التحديات في العالم، وعدم إغفال المنجز من أمر حسن، والمحافظة عليه، وعدم استقطاب الشر، أو التخندق في خندقه، حد كفران الخير، بدءا بالاستهانة “والتمزه” به، كما في (أهم شي الأمن والأمان) جملةً ساخرةً سائرة بين الركبان في سياق “نقمة” سوداء واستهتار، بالوصول إلى اعتبار المنجز والمكتسب عَدَماً، وما ترفل به الدولة من نعمة يُثْبتُها وضعُ الدول المحيطة ولهيبُها المستعر، حتى بات بعضها خرابا في البنية التحتية بالحروب المباشرة، أو خرابا في إنسانها وقيمته ومكانته وسمعته بين أَناسي العالم، حتى يضطر بعضهم عند سفرهم التخفي وراء جنسيات أخرى خوفا على ذاته مما ألم بجنسيته الوطنية من صورة شوهاء، تحتاج لها عشرات السنين ومئات من المواقف الشريفة والصادقة والبلايين من الدولارات لتحسينها واستئناف بناءها من جديد.
إنا في خاتمة هذا الجزء نراهن جدا بوعي المواطن العماني الفرد أين كان موقعه، في الحفاظ على منجزات عمان النهضة، بدءا بالكلمة والشهادة الحقة والمسؤولة، تأييدا لوضع أو معارضة له، دون أي هامش لإضاعة ما بناه قائد النهضة الراحل طيب الله ثراه، ودون أي لأيٍ أو فتورٍ في إقامة ما احتاج الإقامة منه والتسديد، وبالالتفاف خلف مجدد النهضة خليفته الذي ارتضاه لحمل راية النهضة، وارتضت به الأسرة المالكة، وقبلها وبعدها الشعب بأكمله، سدد الله خطاه ويسره في مسيرته المظفرة، للبناء على ما تم من خير كريم، وتطويره، وتصحيح ما يستحق التصحيح، صفا واحدا، يعاني ذاته ويعالج احتياجه، ويمنعها في آن واحد من المتسلقين والمتطفلين من خارج عمان الوطن المنيع، ويُلْقِمُ كل حسود حقود عدو حجرا، والله الحفيظ، وهو المعين المجيب.
عبدالحميد بن حميد بن عبدالله الجامعي
الأحد
٩ رجب ١٤٤٢ هـ
٢١ فبراير ٢٠٢١م