قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة هي الأولى له لدولة عربية منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، وكان في استقباله ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وبحث الجانبان “العلاقات الأخوية” بين البلدين و”السلام” في المنطقة.
هذا الاجتماع هو أحدث إشارة إلى عودة دفء العلاقات بين سوريا والإمارات التي قطعت روابطها مع دمشق في فبراير/ شباط 2012.
لن أدخل في الدلالات والتداعيات والأهداف الظاهرة والمبطنة لهذه الزيارة، وسأقوم بالمرور عليها في آخر المقال، لكن ما يعنيني هنا، وقد يختلف معي البعض، وهو ما خضته في وقت سابق، عندما شرحت معنى السيادة وأهميتها خاصة من منظور القانون الدولي، ومن منظور العلاقات الخارجية لأي دولة في العالم، وقد تعرضت لنقد شديد إزء ذلك، اليوم أعيد تكرار هذا الأمر لأبرهن بمثال شاهده وسمع به الجميع، وبصرف النظر إن كنا نتفق أو لا نتفق مع حكومة دمشق، الزيارة رسمية وعلى مستوى عالي، تم تسويقها إعلامياً بشكل كبير، والتركيز على استعمال مفردة (الرئيس السوري) من قبل القنوات والوكالات التي انتهجت خطاً مخالفاً لدمشق، ومع ذلك، ورغم آلة الحرب لأكثر من عشر سنوات، حافظت سوريا على مكانتها سياسياً وحافظت على الحالة المؤسساتية التي تتميز بها، بالتالي، كل من طبّع معها اليوم ومن بينهم دولة الإمارات تعاملت معها على هذا الأساس، وباعتقادي، هذه هي السيادة المطلقة التي يجب أن يتمتع بها العرب جميعاً.
قد ينقدني البعض، أين السيادة السورية من الاعتداءات الصهيونية المستمرة على الأراضي السورية، وببساطة وقانونياً أجيب، لم تلجأ سوريا إلى سياسة رد الغارة بالغارة، بل سلكت مسلك القانون الدولي من خلال إرسال الخارجية السورية رسائل متطابقة بعد كل اعتداء، وأن يمتثل لقوانينه أم لا – المجتمع الدولي – هذا أمر مختلف، لكن البروتوكول المعهود الذي هي الطريقة التي اتبعتها دمشق، وهذا المنطق العقلاني، أما المنطق العاطفي، فيقول إنه يجب على سوريا افتعال حرب مع كيان الاحتلال الصهيوني، ومن يطالب بذلك لا يراعي أن سوريا لا تزال في حالة حرب ولا تزال تعاني من تبعات هذه الحرب، جيشها واقتصادها وشعبها جميعم منهكون، بالتالي، هذا يعيدنا إلى سياق الضربة الإيرانية الأخيرة على أربيل، فكان الأجدر إخطار مجلس الأمن أو حكومة العراق، الجهات ذات الصلة، وفي حال عدم الرد، هنا كان تم تبرير هذه الهجمة، فلو حافظت بغداد على سيادتها أكرر لن يتجرأ أحد على توجيه أي ضربة إليها، ولننظر إلى سوريا، فيها كما العراق قوات أمريكية وتركية وقوات روسية وإيرنية وميليشيات مسلحة، ورغم ذلك لم تفرط بمركزيتها خاصة على المستوى الدولي، وأكرر أنني هنا إن نقدت العراق، ليس كرهاً بها بقدر ما هو ألماً وحزناً لما حدث ويحدث لها، وفي سياق متصل، قد يعتقد البعض أيضاً، أن دراسة واشنطن لشطب الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب هو لتجنب ضربات إيران، قد يكون في ذلك شيء من الصحة، لكنه جزء من الحقيقة وليس كلها، الأمر كله متعلق بالاتفاق النووي الذي سيبصر النور بعد أيام قليلة، وهذا يعني البدء في رفع العقوبات عن إيران، ما يعني أيضاً، البدء بتدفق النفط الإيراني إلى الأسواق، الأمر الذي قد تجد فيه الولايات المتحدة الأمريكية متنفساً بعد توقف سلسلة الإمداد الروسية.
من هذا المنطلق، إن زيارة الرئيس السوري إلى دولة الإمارات رسالة مهمة، الحالة السورية معادية للكيان الصهيوني، والحالة الإماراتية، مطبّعة معه، هذا تناقض من حيث الشكل، لكن من حيث المضمون، السياسة وكما أقول دائماً هي فن المتبدل والمتغير، وعلاقات الدول أجمع، تحكمها المصالح، على سبيل المثال، هل العقوبات الهستيرية المفروضة على روسيا من قبل الغرب كرمى لأوكرانيا؟ بالتأكيد لا، الهدف الأساس هو تحطيم روسيا اقتصادياً للحفاظ على هيمنة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لقد ضربت أمريكا أكثر من عصفور بحجر واحد، روسيا ومن ثم الاتحاد الأوروبي، فأن تتحول ألمانيا وفرنسا، الألوى إلى قوة صناعية كبيرة والثانية قوة نووية هذا لا يمكن له أن يحدث، لقد بدأت تقصقص واشنطن أجنحة أوروبا منذ انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تخريب صفقة الغواصات بين فرنسا وأستراليا، فما يحدث اليوم هو استكمال لهذا المخطط، المؤكد منه أن أمريكا لا يمكن أن تسمح بتفوق أحد عليها أو حتى مساواتها أو الاقتراب من قدرتها في مختلف المجالات.
لكن ما لفت نظري هو موقف الإمارات العربية، موقف يدل على نهج مستقل، نهج يراد من خلاله أن تكون الإمارات دولة مستقلة القرار، فعندما زارها رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، كان يريد الحصول على إدانة بحق روسيا على خلفية عمليتها العسكرية في أوكرانيا، إلى جانب رفع الإنتاج النفطي الإماراتي تعويضاً عن سلاسل الإمداد الروسية، لكن أياً من ذلك لم يحدث، وهو ما يعني أن الرياض وأبو ظبي، تعملان على استقلالية الموقف، والقول “لا للإملاءات الخارجية”، وهذا الأمر موقف مشرف ومصدر فخر لي ويجب أن يكون كذلك لكل العرب، فليس كل ما يريده الغرب يجب أن يتم تنفيذه، لكن المضحك هنا، أن بريطانيا لم تحقق هدفها، ورغم ذلك، ألمانيا ترسل وزير اقتصادها لنفس الغاية، فإذا كانت بريطانيا لم تحقق ذلك، فهل ستنجح ألمانيا؟ زد على ذلك موقف آخر أعجبني وأطربني، وهو موقف الجزائر التي رفضت هي الأخرى طلباً أمريكياً يتعلق بإمداد أوروبا بالغاز عبر إسبانيا، حيث يوجد خط أنابيب غاز يربط البلدين، كذلك تعويضاً عن الغاز الروسي، فالرفض الجزائري هنا جاء لاعتبارات توازنات التحالفات التي تعتمدها الجزائر قد يكون منها الوقوف على مسافة واحدة من الحرب الروسية الأوكرانية.
أخيراً، إن أرادت حقاً سوريا طي صفحة هذه الحرب، لا بد لها من البدء بمبادرات تطمئن العرب منها، وفي مقدمتها، إخراج القوات الأجنبية، لأن ذلك سيهيئ الأرضية المناسبة لأن يحظى الشعب السوري بفرصة الحياة مجدداً، خاصة وأن جميع اللاعبين على الأرض السورية، يبحثون عن مصالحهم والتي آخرها مصلحة الشعب السوري، هذا إن كانت مصلحته ضمن اهتماماتهم، لذا، الأشقاء يختلفون وقد يختصمون، لكن مصيرهم واحد، والصلح لطالما كان سيد الأحكام، اليوم الإمارات، وغداً السعودية، والقادم أجمل بإذن الله تبارك وتعالى، المهم أن نكون قد استفدنا من الدورس التي تؤكد أن (المتغطي بالتحالف مع الولايات المتحدة عريان)، لذلك، يجب أن نعيد الألفة والمحبة إلى البيت الواحد، وننبذ الفرقة التي لم تجلب لنا سوى الويلات، من حق شعوبنا الحياة، ومن حقها أن تحظى بسيادتها واستقلاليتها.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.