ترددت كثيراً في اتخاذ قرار المشاركة في الجلسات الحوارية لشباب محافظة الداخلية التي تبناها مكتب المحافظة يومي الأثنين والثلاثاء الموافقين ٢١ و٢٢ من شهر مارس الجاري ٢٠٢٢م التي أقيمت في المركز الثقافي بولاية نزوى، في خطوة رائعة تُعظِّمُ من شأن هذا المركز باعتباره منارة إشعاع وإحدى ثمار اختيار مدينة العلم والتاريخ نزوى عاصمة للثقافة العمانية..
ومبعث ترددي هو ما عَلَقَ في نفسي طيلة السنوات المنقرضة من عمري الذي شارف الستون عاماً على وجه التقريب، بدون أن ألمس شيئاً كبيراً من النتائج المرجوة من هذه الندوات والحوارات التي معظمها تقام وللأسف الشديد للظهور والاستهلاك الإعلامي، وبتحقق هذا الغرض تمسي نسياً منسيا، كما أنني في هذا العمر ليس منتسباً لجيل الشباب ..
إلا أنني غالبت هذا الشعور التشاؤمي وتجلدت بالجانب الإيجابي ، وانطلقت متثاقلاً بمركبتي التي أومض مؤشر وقودها طالباً التزود من ذلك السائل الأغلى من الذهب، ونفسي ما برحت تثبطني، وتجعل من ارتفاع فاتورة الوقود ورقة ضغط، لكنني لم أعيرها اهتماماً، وفاءً بوعدي بأن أبذل الغالي والنفيس في سبيل هذا الوطن العزيز، وتقديراً للاتصال الهاتفي الذي تلقيته من أحد أعضاء اللجنة المنظمة لهذه الجلسات، ولكوني سجلت في رابط التواصل الذي أنشأه مكتب المحافظ..
وصلت مركز نزوى الثقافي في الوقت المحدد، وبدأ برنامج الندوة في يومها الثاني بوصول سعادة الشيخ هلال بن سعيد بن حمدان الحجري محافظ الداخلية، وعدد من ولاة المحافظة والمسؤولين فيها، واستُهلت الجلسة بتلاوة عاطرة من الذكر الحكيم، ثم شرع المتحدثون في شرح اختصاصات الجهات الحكومية الممثلين لها، واستهلكوا أكثر من نصف الزمن المحدد، الأمر الذي دعى الحضور إلى الإعتراض على ذلك باعتبار أن الندوة مخصصة للاستماع إلى أراء الشباب ومطالبهم واقتراحاتهم، وليس لشرح الاختصاصات، وكان الأولى اقتصار مشاركتهم على الرد على تساؤلات ومقترحات الحضور، ولذلك فاتني المشاركة والنقاش في هذه الجلسة التي حمل محورها عنوان (الانسان والمجتمع) وحفلت بالكثير من الرؤى والمقترحات أتوقف مع مقترح إنشاء بنك للأفكار الهادفة يكون لصاحب الفكرة نسبة من عائدها في حالة تبنيها ونجاحها، كما لفتت انتباهي المطالبة بتحسين أوضاع المعلمين الذين يُدّرسون في المناطق النائية، وكان لنون النسوة نصيباً وافراً من الأطروحات الناعمة وجلها دعت إلى ضرورة النهوض بجمعيات المرأه العمانية ومراكز الوفاء الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم الدعم اللازم لها لتمكينها من أداء رسالتها المقدسة.. إلى غير ذلك من الأفكار والمقترحات الهادفة، وكنت أود طرح وجهتي نظر إحداها المسارعة في فتح حساب لبراءة الذمة المالية وتطهير النفس من أي فساد إداري أو مالي، والأخرى أن تسهم وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بالتنسيق مع وزارة الزراعة والثروة السمكية وموارد المياه في تخصيص مساحات مناسبة تمنح للشباب العماني الراغبين في إقامة مشاريع انتاجية زراعية وحيوانية مع توفير مصادر مشتركة للمياه، وتقديم الدعم المناسب لهم، فلربما تكون تلك المشاريع بديلاً عن الوظائف التي تبدوا في زماننا المعاصر كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء..
وجاءت الجلسة الثانية التي عُنيت بتنمية المحافظات أفضل نسبياً من سابقها من حيث إتاحة الفرصة للحضور لطرح أفكارهم ومقترحاتهم ومطالب ولاياتهم في ظل توجه الحكومة إلى منح المحافظات مساحة من الاستقلالية الإدارية والمالية..
وحفلت هذه الجلسة بكم وافر من الأطروحات الهادفة لخلوها من الطرح التنظيري لاختصاصات الجهات الرسمية الورقية، التي بينها وبين التنفيذ على الواقع بون شاسع..
في هذه الجلسة تحدث أحد الشباب الخريجين عن معاناته مع الجهات المختصة والعراقيل التي واجهها والرسوم التي أُجبر على دفعها، وجيبه لا يزال فارغاً من المال، وقدَّم أحد الحضور انتقاداً هادفاً حول انتخاب اللجان المحلية في الولايات، موضحاً أن هذا الأسلوب لن يكون صالحاً في التعاطي مع المراحل الراهنة والمستقبلية..
من جانبي تحدثت حول ضرورة التسريع في عمل خارطة سياحية لولايات محافظة الداخلية، تدرج فيها أهم المعالم والمواقع السياحية، وإعطاءها اهتماماً خاصا، مع توفير كافة الخدمات الأساسية التي يحتاجها السائح، كما تحدثت عن سور بهلا التاريخي وبدائية ترميمه، منوهاً إلى أن ترميمه لا يجب أن يكون مقيداً بتعليمات اليونسكو ولا بد من إضفاء لمسة حديثة تترك بصمة لهذا الجيل المعاصر، وأن لا نكون مجرد محنطين للماضي فقط..
تلكم كانت وقفات متواضعة على أعتاب جلستين من الجلسات الحوارية لشباب محافظة الداخلية، والتي وعد سعادة الشيخ المحافظ بتكرارها في القريب العاجل، لما وجدوا منها من تفاعل حميد ونقاش إيجابي وطرح هادف، منوهاً سعادته بأن ولايات المحافظة لن تتطور إلا بجهود أهلها، وأن المسؤول راحلاً عنها عاجلاً أم آجلاً، مؤكداً أن مكتب المحافظ لن يألوا جهداً في سبيل دعم الجهود المخلصة والمبادرات البناءة، فعسى أن تتحقق هذه الأمنيات والطموحات والمطالبات.. والله من وراء القصد والمقصد.
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي
الأحد ٢٤ شعبان ١٤٤٣ للهجرة
الموافق ٢٧ مارس ٢٠٢٢م