الفقيه والقانوني المستشار الكبير استاذي طارق البشري وداعاً
غيّب الموت المستشار طارق البشري، المؤرخ والمفكر الفذ، له العديد من الكتب التي تعد بمثابة المراجع التي أرخت للحركة الوطنية في مصر قبل ثورة يوليو وبعدها، وكتاباته الفكرية والسياسية التي أثرت المكتبة العربية والإسلامية لقيمتها الفنية العالية، الراحل غادرنا جسداً عن عمر يناهز 88 عاماً، لكنه باقٍ بيننا بأعماله الخالدة ومواقفه المشرفة.
ولد الراحل في منطقة حلمية الزيتون “شرق القاهرة” العام 1933 ، لأسرة عريقة لها تأثيرها الكبير في “التشريع” الدستوري والقانوني والفقهي في مصر، فجدّه لأبيه كان الشيخ سليم البشري وهو شيخ المالكيّة في الأزهر، وأصبح شيخاً للأزهر الشريف مرتين، كان والده عبدالفتاح البشري رئيساً لمحكمة الاستئناف حتّى وفاته عام 1951، أمّا أحد أعمامه وهو عبدالعزيز البشري فقد كان أديباً، تخرّج الراحل من كلية الحقوق في جامعة القاهرة عام 1953، وقد عيّن بعدها في مجلس الدولة المصري، وظلّ يعمل فيه حتّى أصبح نائباً لرئيس مجلس الدولة، وحتّى استقالته من منصبه عام 1998، الراحل كان من أكبر مؤيدي ثورة 25 يناير التي اعتبرها ثورةً على الاستبداد وتدشيناً لحقبة جديدة في مصر، وهكذا تمّ اختياره بعد الثورة رئيساً للجنة التعديلات الدستورية عام 2011.
للراحل إسهامٌ فكري و”شرعي” كبير، تنوعت كتاباته بين النطاق الدستوري باعتباره فقيهاً دستورياً وبين النطاق الدستوري – الفقهي، وكان مهتماً أيضاً بالعروبة والإسلام والعلاقة بينهما، وهكذا ألّف كتابه “بين العروبة والإسلام”، وكان له كتباً في التاريخ والديمقراطية، المميز في الراحل أنه بقي على مواقفه حتى وفاته.
خسارة المستشار طارق البشري خسارة كبيرة لأمتنا العربية والإسلامية، بعد حياة حافلة قضاها بالعطاء، كان خلالها علماً من أعلام هذه الأمة، وأحد كبار مفكّريها، وجهبذاً من جهابذة القانون فيها، بدأ تحوله إلى الفكر الإسلامي بعد هزيمة 1967، وكان مقاله “رحلة التجديد في التشريع الإسلامي” أول ما كتبه في هذا الاتجاه، ويعد الراحل من أبرز المؤرخين والكتّاب الذين أثروا في وعي أجيال عدة، عبر كتبه العديدة التي تعد علامة بارزة في المكتبة العربية، ومنها كتبه “الحركة السياسية في مصر 1945 – 1952″، و”المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية”، و”نحو تيار أساسي للأمة”، و”الحوار الإسلامي العلماني”، “بين الإسلام والعروبة”، و”محمد علي ونظام حكمه”، و “من أوراق ثورة 25 يناير”، وكتاب “سعد زغلول يفاوض الاستعمار” الذي يعد واحد من الكتب المهمة في المكتبة التاريخية.
كتابات الراحل وإنتاجه الفكري، لم ينسياه منصبه كقاضٍ، حيث كان صاحب صوت مسموع وموقف واضح داعم لاستقلال السلطة القضائية. بخسارة هذا الفقيه خسرنا علماً بارزاً، كان لي شرف لقائه في إحدى زياراتي لمصر.
كل الرحمة للفقيد، متقدمة بخالص العزاء لأسرته، وأهله، وعائلته، ومحبّيه، وتلامذته، و “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
د. عبدالعزيز بن بدر القطان