لم تكن الحروب الصهيونية المتعاقبة على الشعب الفلسطيني التي أسفرت عن سلسلة مجازر جماعية أسفرت عن آلاف القتلى والجرحى والأسرى، كما لم تكن عمليات الاغتيال متواصلة ضد نخبة من القيادات السياسية والعسكرية والثقافية الفلسطينية إلا تتويجًا متجددًا للمجزرة المفتوحة التي تقترفها الدولة الصهيونية، ضد الشعب الفلسطيني على مدار الساعة. المجزرة الصهيونية التي تمتد عمليا من دير ياسين وما قبلها… وصولًا إلى مخيم جنين والحروب على غزة في نسختها الأخيرة، والمؤشرات تتحدث عن نسخ مجازرية صهيونية قادمة..!
ولهذه المجزرة الصهيونية تراث هائل من الأدبيات والفتاوى الدينية التوراتية التي تترعرع وتتغذى في مستنبتات المدارس الدينية اليهودية وفي مناهج التربية والتعليم الصهيونية… وعلى هذا الصعيد، فالقرائن والوثائق والوقائع التي تثبت ذلك لا حصر لها، فهناك الفتاوى التي أطلقها الحاخام المتطرف يتسحاق شابيرا رئيس ‘المدرسة الدينية اليهودية لا زال يوسف حيا’، والتي تبيح قتل العرب من خلال إصداره كتاب أسماه ‘توراة الملك’، الذي يمثل خلاصة فكر المتطرفين اليهود وحاخاماتهم يمثلون ظاهرة إرهابية متكاملة الأركان، بدءًا من ركن الفكر اليهودي العنصري المتطرف الداعي إلى تشريد وقتل العرب، وصولًا إلى تنفيذ العمليات المسلحة، الهادفة إلى التطهير العرقي للأرض الفلسطينية وطرد سكانها العرب المسلمين والمسيحيين، ويشار هنا إلى أن الحاخامات اليهود المتطرفين يتمتعون بنفوذ واسع داخل المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، ويتنافس صناع القرار في حكومة الاحتلال على استرضائهم والتقرب منهم، مما يدلل على أن هذه الفتاوى تصدر بتصريحات قادة الاحتلال”.
صحيفة معاريف العبرية كانت عنونت صفحتها الرئيسية بالكشف عن الكتاب الذي نشر في أوساط اليمين الفاشي الصهيوني ويتناول “متى يسمح لليهودي بقتل الأغيار وقتل أبنائهم”، مشيرة في صفحتها الرئيسية إلى أنه بحسب الكتاب الجديد، الذي كتبه “حاخام” يشغل منصب رئيس مدرسة دينية متطرفة مع “حاخام” آخر في مستوطنة “يتسهار” المقامة على أراضي الضفة الغربية، فإن الجواب هو “دائمًا في الغالب”، وأضافت الصحيفة أنه بحسب مؤلف الكتاب، الراب يتسحاك شابيرا رئيس مدرسة “عود يوسيف حاي – يوسيف لا زال حيا”، يسمح بقتل “كل من يشكل خطرًا على شعب إسرائيل، سواء كان ولدًا أم طفلًا”، ويتجنب الكاتب في صفحات الكتاب -230- صفحة، استخدام العرب أو الفلسطينيين ويستعيض عنها بـ”الأغيار”.
وعن قتل الأطفال يقول الكتاب “إن وجود الأطفال يسد الطريق أمام عمليات الإنقاذ، وبالتالي يسمح بقتلهم لأن وجودهم يساعد على القتل، كما يسمح بقتل الأطفال إذا كان من الواضح أنهم قد يسببون أضرارًا لـ”شعب إسرائيل” عندما يكبرون، ويسمح أيضًا بقتل أطفال أي قائد من أجل ممارسة الضغط عليه”.
أما بالنسبة لقتل الأبرياء فيقول “في كل مكان يشكل فيه الأغيار خطرًا على حياة شعب إسرائيل يسمح بقتلهم حتى لو كانوا غير مسؤولين عن الوضع الذين نشأ”.
كما يتضمن الكتاب “ضرورة التصرف عن طريق الانتقام من أجل الانتصار على الشر، ولذلك يمكن القيام بأعمال بمنتهى القسوة بهدف خلق ميزان رعب صحيح”.
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن هذا الكتاب ليس الأول من نوعه، فقد سبق وأن صدر كتاب آخر في العام 1996، بعنوان “توضيح الموقف التلمودي من قتل الأغيار”، وتضمن: “في الحرب التي لم تحسم بعد، يسمح قتل الأطفال والنساء من أبناء الأغيار الذين نحاربهم، حتى لو كانوا لا يشكلون خطرا مباشرا، فهم قد يساعدون العدو خلال الحرب”.
النائب العربي د. جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي البرلمانية، كان بعث برسالة للمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، مناحيم مزوز، طالبه فيها بالتحقيق مع مؤلفي كتاب “توراة هميلخ”، الذي يدعو لقتل “الأغيار” وإن كانوا أطفالًا إذا شكلوا خطرًا على اليهود.
وطالب النائب زحالقة بمنع نشر وتوزيع الكتاب الذي يروج هذه الأيام في المستوطنات وعلى شبكة الإنترنت، وتقديم المؤلفين للمحاكمة، وأضاف زحالقة: “ما يقوله مؤلفا الكتاب هو بالضبط ما تفعله إسرائيل بشكل رسمي، والفرق هو أن إسرائيل تحاول أن تبرر جرائمها، أما مؤلفا الكتاب فهما يقولان لا حاجة للتبريرات وإن قتل العرب مطلوب ومرغوب به”، وأوضح زحالقة: “علينا أن نبدأ حملة على كل المستويات لفضح العنصرية الإسرائيلية الشعبية والرسمية، فهي أخطر وأسوأ من الأبرتهايد، أخطر بكثير”.
وبعد ذلك بأيام زاد الحاخام العسكري الرئيس، العميد افيحاي رونتسكي، على الكتاب الإرهابي فقال في حديث مع طلاب مدرسة دينية “أنه ملعون من في الحرب يوفر حياة العدو”، كما كرر رونتسكي الرأي الذي أعرب عنه في مناسبات سابقة بموجبها أن المتدينين هم مقاتلون أفضل.
ففي محاضرة ألقاها قال رونتسكي أنه “في أثناء الحرب، من لا يقاتل بكل قلبه وبكل روحه عليه لعنة إذا ما منع حرابه عن الدم، فوفر حياة العدو في المكان الذي لا ينبغي له أن يوفر فيه حياة العدو”.
فالواضح تمامًا أن مستنبتات ومفرخات أيديولوجيا التمييز العنصري، وبالتالي الإرهاب الدموي والمجازر الجماعية بالضرورة، موجودة وحاضرة بقوة في المدارس الدينية التلمودية اليهودية وفي المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الأراضي المحتلة، وكلها تعمل بغطاء ودعم المؤسسة الصهيونية الرسمية في حروب بالنسبة لهم مفتوحة ولن تنتهي إلا بانتهاء القضية أو بهزيمة المشروع الصهيوني بالنسبة لنا…!
نواف الزرو – كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي / الصهيوني .