إن موضوع الحضانة في القانون الكويتي وكذلك المصري وأغلب الدول الخليجية، تتشابه فيما بينها، لأن التشريعات تقريباً واحدة، خاصة وأن مأخوذة في غالبيتها من القانون الفرنسي، وبالنسبة للأحوال الشخصية مستقاة من المذهب المالكي والبعض يعتمد المذهب الشافعي، وفي هذا الخصوص تتشابه المسألة بين كثير من الدول العربية.
بالنسبة للطفل (الذكر) هناك شبه إجماع على أن يكون سنّ الحضانة له (15) سنة، وللدقة أي مع سن البلوغ، وقبل هذا السن يكون عند الحاضنة (الأم)، أما الطفلة (الأنثى) فتبلغ مدة حضانتها حتى سن الزواج، إلا أن المفروض أن الولي الشرعي هو الذي يربي، وهو الذي يزوّج، وهنا يجب التنبه جيداً لمسألة الشرع، ولا يجوز الزواج بدون ولي الأمر، وهذه قاعدة شرعية ثابتة، وهناك حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (لا نكاح إلا بوليّ) الذي يجب أن يؤخذ به في المحاكم كرأي شرعي معتمد وسنأتي على تفصيله أيضاً، بالتالي، مسؤولية هذا الولي أن يربي وأن يكون أولاده تحت جناحه وبخاصة الفتيات، بالتالي، لو كان من الممكن أن تكون فترة حضانة الذكر للولي حتى سبع سنوات ليكون تشرّب من أبيه التربية، لأن عام الـ 15 يكون من الصعب إدخال مفاهيم وتعاليم تصقل شخصية هذا الطفل، خاصة لناحية الحياة والانخراط بها مستقبلاً، تماماً كما في الأحوال الشخصية اللمذهب الجعفري، والبنت على عمر التسع سنوات، من المفترض أن تذهب إلى الأم مباشرةً.
ورغم أن المسألتين منفصلتين، لكن لا بد من توضيح الحديث (لا نكاح إلا بوليّ)، الذي هو حديث مسند وصحيح، وهو مطلب المالكية والشافعية والحنابلة، وبه قال الكثير من السلف، وحكي عن الصحابة عدم الخلاف في ذلك، وللعلماء في تقدير الكفاءة وجهان: أحدهما أنها شرط لصحة النكاح متى فقدت بطل العقد، وهو قول الشافعية وأحد الروايتين عن الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (فقيه ومحدث، 164 هـ – 241 هـ)، وبه قال الإمام أبو حنيفة النعمان (فقيه ومحدث، 80 هـ – 150 هـ): إذا زوّجت العاقلة نفسها ولها ولي عاصب لم يَرض بالزواج قبل العقد، والوجه الثاني أنها شرط للزوم النكاح، فيصح العقد بدونها ويثبت الخِيار، وهو الرواية الثانية عن أحمد بن حنبل الشيباني، والكفاءة بهذا حقّ للأولياء كما أنها حق للمرأة، إذ تكمن كثير من الاختلافات الفقهية في بذل المجتهد وسعه، للوصول للمعاني والمقاصد والعلل التي أرادها الشارع في تحقيق الحكم الشرعي، بالتالي، (لا نكاح إلا بولي) حديث نبوي صحيح، روته السيدة عائشة، وأبو موسى وابن عباس، قال المروذي: سألت أحمد بن حنبل الشيباني ويحيى بن معين (شيخ المحدثين، إمام الجرح والتعديل، 158 هـ – 233 هـ) عن حديث: (لا نكاح إلا بولي) فقالا: صحيح، كما ورد في كتاب المغني لابن قدامه (541 هـ – 620 هـ).
من هنا إن حديث (لا نكاح إلا بولي) هو عمدة لدى الفقهاء في تأسيس مسألة من مسائل النكاح، خصوصاً شروط انعقاده، وذلك لأن كل مسألة فقهية يتأسس عليها حكم شرعي لها أركان وشروط. فأما الأركان، فلا يمكن أن تخرج ماهيتها للوجود إلا بها أي أصل حقيقية الشيء، وأما شروطها، فإن الماهية موجودة لتلك المسألة الفقهية، وقد وقعت بالفعل، بيد أن صحة تلك المسألة، وما ينتج عنها من تصرفات وآثار، يكون مرتبطا بما ورد من الشارع من شروط، لصحة ذلك الفعل، وتلك الشروط عادةً تكون من موارد التأويل والاختلافات الفقيهة، لذا، هناك من رأى أن للمرأة الحق في تزويج نفسها في غياب الولي، لكن الأكمل والأوجه للمرأة أن يتولى وليها عقد نكاحها وهذه القاعدة الشرعية التي يُعمل بها، قال تعالى: (فانكحوهن بإذن أهلهنّ) وهذا خطاب إلهي موجه لأولياء المرأة من الذكور، بالتالي الحديث صحيح، استناداً إلى قاعدة الحديث عند جمهور علماء الأمة يغني عن النظر في إسناده، وهذا مرتبط بقرينة ألا يوجد له مخالفة في فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه من بعده والتابعين، وروي عن السيدة عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها، فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)، رواه الإمام أحمد، وأبو داود، ما يعني أن (لا نكاح إلا بولي) يقدم على دليل الخطاب والتخصيص خرج مخرج الغالب، فإن الغالب أنها لا تزوج نفسها إلا بغير إذن وليها.
(لا نكاح إلا بولي)، في بعض ألفاظه زيادة شاهدي عدلٍ، (الواردة وإن كانت ضعيفة في جميع عقول علماء الشريعة الإسلامية، خاصة وأن الله تبارك وتعالى أنزلها في كتابه العزيز، “واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء”)، بالتالي، جعل سبحانه وتعالى على كل عقد في الدنيا، يتعاقد به طرفان، اثنين من الرجال، أو رجل وامرأتين، فإذا كانت من حيث الصناعة الحديثية مردودة زيادة شاهدي عدل، ولكنها من حيث ما نزل به الوحي في عموم العقود داخلة، ولذلك دخلت شهادة العدول في النكاح في إجماع الفقهاء، وتعتبر واحدة من أركان العقد، الخلاصة المرتبطة في هذا الموضوع، أن الأصل الصحيح للحديث (لا نكاح إلا بولي) والزيادة من بعد ذلك لا أصل لها نهائياً، (شاهدي عدل)، أي أن الله تعالى جعل وجوب وجود الشاهدان في كل التعاقدات في الحياة الدنيا، وبناءً على ذلك أجمع الفقهاء بأن الشهود العدول يكونون من الواجبات في عقد النكاح، بالتالي، بعد جمع أغلب الآراء، نجد أن الأغلبية فيه تنحاز إلى المصححين، لأن الطرق المؤدية إليها كلها ضعيفة، فعند جمع الفريقين “المصححين والمضعفين”، نجد أن المصححين أكثر بنسبة قليلة من المضعفين، ويعود سبب التصحيح أن هذا الحديث دخل ضمن قاعدة المحدثين القائلة: (الحديث إذا اشُتهر واستفاض بين أهل العلم أغنت شهرته عن النظر في إسناده)، ما يعني أنه ليس كل الأحاديث التي تشتهر بين أهل العلم تتنزل في هذه القاعدة بل أحاديث معينة فقط، والحديث الذي نوضحه هو واحد منها.
إذاً، إن قاعدة (الحديث إذا اشُتهر واستفاض بين أهل العلم أغنت شهرته عن النظر في إسناده) تشمل حديث (لا نكاح إلا بولي)، لأن النكاح بغير ولي غير مأثور، لا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن الخلفاء الراشدين الأربعة خلال فترة خلافتهم، ولا عن الصحابة من بعدهم عندما كانوا أئمة الأمصار، ولا عن من أخذ منهم من كبار التابعين الذين كانوا قضاةً وحاكمين، وعلى هذا الأساس، فإن كل الجمهور متفقين (شافعية وحنابلة ومالكية) على أنه (لا نكاح إلا بولي)، سواء كان ذلك لبكرٍ أو ثيّب، إلا الأحناف، فقد خالفوا، حيث وافقوا الجمهور في البكر، وخالفوه في الثيّب، فقال الإمام أبو حنيفة: “والثيّب نزوج نفسها” لأنها تملك تصرفاتها، مستدلاً بدليلٍ استنبطه استنباطاً، وظاهره ليس كما استنبط، فخالفوا الجمهور في ذلك، لذلك، لا يؤخذ بقول الأحناف في هذا الباب في شأن تزويج الثيّب لنفسها وذلك لأنهم خالفوا الجمهور لأن الأصل في تطبيق الأحكام الشرعية هو الأخذ بالراجح، والراجح هو الذي يكون مع الجمهور إذا اتفقوا، أو مع المخالف لهم إذا كان الراجح مستند إلى حديث صحيح، أو إلى آية نصها القرآني صريح لا يحتمل التأويل لأكثر من وجه، بالتالي، من المؤكد اتباع الراجح الذي يكون مع الجمهور إذا اتفقوا، أو مع المخالف لهم إذا كان الراجح مستند إلى حديث صحيح، أو إلى آية نصها القرآني صريح لا يحتمل التأويل لأكثر من وجه.
الجدير بالذكر أن حديث (لا نكاح إلا بولي) حققه وأشبعه تحقيقاً، الحافظ بن حجر العسقلاني (773 هـ – 852 هـ)، في كتابه (التلخيص الحبير).
ومن هذا التوسع الكبير إلى حد ما، وطرح الآراء الشرعية من المصححين والمعارضين ورأي المذاهب الأربعة، والقاعدة الشرعية ومقاصدها، لا بد من إجراء تعديلات تتوافق بين الدين والإنسانية، للصالح العالم، لا لصالح طرف على آخر، بل لصلاح المجتمعات، فلا بد للبنات والأولاد أن يكونوا تحت جناح الوالد، إلا إذا كان هناك ما يعارض، فتلك مسائل أخرى سنوضحها في مواضيع أخرى.
بالتالي، تتعرض أسر كثيرة للظلم جراء هذه القوانين، ومن باب الحرص العام على وحدة الأسرة لا على تفككها وحدوص صراع الوالدين والضحية هم الأطفال، نقوم بطرح حل يناسب الجميع، فإن تم إجراء استطلاع رأي لنقل في آخر ثلاثة عقود فقط، من خلال التثبت في هذا القانون سيجد أن حالات التفكك الأسري أكثر من أن يتم إحصاؤها.
عبدالعزيز بن بدر القطان / كاتب ومفكر – الكويت.