تصدرت مسقط عناوين السلام في الإعلام العربي والدولي مطلع الأسبوع، فقد احتضنت العاصمة العمانية مسقط حوارات متعددة بهدف إنهاء الأزمة اليمنية. واللافت أنها المرة الأولى التي تخرج فيها سلطنة عمان وساطتها من دائرة الصمت إلى العلن حسب بيان وكالة الأنباء العمانية التي أعلنت عن توجيهات القيادة السياسية لبذل الجهود في حل الأزمة اليمنية، إلا أن مسقط لم تكن بعيدة عن ممارسة تلك الجهود منذ بداية الأحداث في اليمن الشقيق، ولعبت مسقط دورا كبيرا في مختلف مراحل الأزمة، وبذلت جهودا حثيثة بتوجيهات سابقة من جلالة السلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ مراعاة للجوانب الإنسانية في اليمن وحفظا للأمن والاستقرار في الإقليم عموما. ولكن كل القضايا السياسية والأمنية ـ بلا شك ـ تحتاج إلى فترة نضج كفيل بإخراجها من حالة الانغلاق إلى حالة الانفراج، ويبدو أن الأزمة اليمنية مضت على هذا المنوال فعركت تجربتها الاستنزافية لجميع الأطراف حتى حانت لحظة الإذعان إلى لغة المنطق والسلام، لتتبوأ مسقط مكانتها المعهودة في صناعة السلام في المنطقة .
شهد الأسبوع الجاري زيارات وجولات مكوكية حطت رحالها في مسقط عاصمة السلام، فقد بدأها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تلاه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ثم تبعهما المبعوثان الأميركي ليندر كينج والمبعوث الأممي مارتن جريفيث، إضافة إلى وفد جماعة الحوثي المتواجد في السلطنة والذي اعتمد مسقط قاعدته الدبلوماسية، كل هذه الوفود التي وصلت متزامنة إلى مسقط أكدت رغبة جميع الأطراف في إيجاد حل للأزمة اليمنية، وإنهاء المعاناة الإنسانية التي يكابدها الشعب اليمني الشقيق. ويبقى الأمل والأهم في الحراك الدبلوماسي الكبير الذي يدور في العاصمة مسقط هو التوصل إلى حلول جذرية للأزمة اليمنية، وأعتقد أن الوقت قد حان لفتح صفحة السلام بعد تجربة مريرة للأزمة والحرب الدائرة في اليمن، وأن الدبلوماسية العمانية المتمرسة تكتب لوحة السلام، وقد سعت لذلك في مختلف مراحل هذه الأزمة.
الملف الإنساني يتصدر هذه الحوارات ويؤمل أن يبدأ من خلاله الاتفاق على فتح مطار صنعاء والمنافذ الأخرى لتخفيف المعاناة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى مختلف أرجاء اليمن، وهي مسألة عاجلة جدا في ظل استمرار المعاناة الإنسانية وتفاقم الأوضاع في اليمن، كما أن المسألة الأخرى الموازية لها أيضا هي عملية الوقف الشامل لإطلاق النار والتي تقود إلى المعالجات السياسية كمرحلة ثالثة والتي نأمل ألا تتعثر أمام سقف معين أو حسابات الربح والخسارة، فالجميع خاسر من استمرار الأوضاع وحالة عدم الاستقرار، ونتمنى أن تمتلك مسقط مفاتيح الحل في فرز العملية السياسية بتوافق مختلف الأطراف. ولا شك أن الجميع مدرك لما آلت إليه الأوضاع من تدهور وعلى الجميع تقديم تنازلات في هذا الشأن، وتقديم النيات الحسنة للخروج من هذا المحيط الهائج والوصول إلى بر الأمان.
الجهود العمانية التي بذلت وتبذل في إطار الأزمة اليمنية منذ بدايتها وحتى اللحظة جديرة بتسجيل نهايتها هذه الأيام، إلا أنه يتطلب من جميع الأطراف اعتماد الثقة والقبول بما تقترحه مسقط وخصوصا فيما يتعلق بتفاصيل العملية السياسية؛ لأن السلطنة تمتلك رصيدا كبيرا وتجربة عميقة في هذا المسار، وبعون الله ستخرج مباحثات مسقط بهذه الأزمة إلى بر الأمان.
هناك ملفات إقليمية أخرى قد يفرج عنها بوساطة عمانية، ويأمل المراقبون أن تثمر في الأيام القادمة، وخصوصا في إعادة بلورة صورة متجددة للعلاقات بين الرياض وطهران، وهي جهود سابقة بذلتها السلطنة ونأمل أن تصل إلى مستوى الطموحات المنشودة، كذلك هناك بوادر انفراجة في العلاقات السورية العربية من النافذة السعودية أيضا ونأمل أن تكلل بالنجاح من أجل خير وصالح الأمة العربية، وعلى الجميع أن يتدارك الظروف الدقيقة التي تمرُّ بالمنطقة لتجاوز الخلافات والتصدي للظروف المحيطة، فنتائج السلام تعود بالخير على شعوب المنطقة عموما.
ندرك أن هناك صورة تشاؤمية لدى بعض الأشقاء العرب من الحالة العربية برمَّتها، ولكن أن تكسب ورقة في سياق العلاقات العربية خير من لا شيء، ونعلم أن الإذعان للظروف هو السبب الأول للتوصل إلى السلام والاستقرار، ولكن وجود منارات للسلام في الوطن العربي كفيل بإسقاط أشعتها على المنطقة، وهو ما تقوم به مسقط عاصمة السلام.
خميس بن عبيد القطيطي