جاهدت نفسي لإقناعها بأهمية حضور ورشة العمر المالي للإنسان التي نظمها مشكوراً فريق الطماح التابع لنادي بهلا في خطوة رائعة تحسب لهذا الفريق صاحب التاريخ العريق، الذي يحاول أن يصنع انجازات ثقافية واجتماعية، وسط هيمنة الأنشطة الرياضية التي أمست تلتهم الموارد المالية للأندية والفرق الشبابية، ناهيك عن العزوف الجماعي الذي يشهده النشاط الثقافي والمعرفي ..
وبصعوبة بالغة أقنعت نفسي بالمشاركة رغم المغريات الأخرى المثبطة ، فكنت ضمن الحضور الذي تمنيته أن يكون أكثر عدداً لما لهذه الورش من أهمية كبرى في رفع مستوى الوعي المالي المجتمعي في زمن متلاطم تتقاذفه المحن والأزمات الاقتصادية بفعل الحروب والأطماع والمكايد السياسية والاقتصادية ..
أقيمت الورشة مساء يوم الجمعة الموافق ١ يوليو ٢٠٢٢م، وذلك في مجلس بهلا العام الذي أصبح واجهة الولاية، يجتمع تحت سقفه العامر مختلف شرائح المجتمع في أفراحهم وأتراحهم وحراكهم الاجتماعي والفكري..
قدم الورشة المهندس صالح بن عيسى العبري أحد القامات الفكرية والاقتصادية في ولاية بهلا، الذي دأب على إخصاب الحركة الفكرية ليس على مستوى الولاية فحسب، بل على مستوى السلطنة بأسرها، بما يقدمه من إثراء فكري واسع ..
قُدمت الورشة بأسلوب سهل وممتع، ساهم في خلق تفاعل جميل بين مقدم الورشة والحضور، جعلها غير مملة، رغم زمنها الطويل الممتد من الساعة السابعة والنصف وحتى بعد العاشرة ليلا..
تمحورت الورشة في التعريف بالعديد من المصطلحات المالية ذات الصلة بالعمر المالي للإنسان منذ نشأته، مروراً بالمحطات الرئيسة من شراء مركبة وزواج وبناء منزل الأحلام.. إلى غير ذلك من المحطات الفرعية وغيرها..
كما تناولت الورشة المشاكل الناجمة عن الاقتراض الذي ينجرف فيه شباب اليوم منذ باكورة أعمارهم الوظيفية لتأسيس مراحل حياتهم الرئيسية بسرعة وتهور، مما يجعلهم يعيشون في دوامة الدين الذي هو عار بالنهار وهم بالليل، وربما يؤدي هذا التهور إلى بيع المنزل أو طلاق الزوجة..
وقدمت الورشة نماذج متعددة في مختلف الجوانب الإيجابية والسلبية المصاحبة لعمر الإنسان المالي، خالصةً إلى أن الابتعاد عن زيف التقليد والمديونية المصحوبة بالقناعة بالموجود والمقدور عليه.. هو السبيل الوحيد للسعادة والراحة النفسية..
ورغم أنني تجاوزت العديد من المراحل الزمنية في استراتيجية التخطيط للعمر المالي، إلذي اجتزت شطراً طويلاً منه بعفوية اقتديتها من نهج المرحوم والدي، فأوصلتني والحمد لله إلى بر الأمان بعد كثير من العثرات والكبوات والمطبات..
إلا أنني استفدت كثيراً من محاور الورشة، وعسى أن يكون ولداي والحضور نالوا ذات الفائدة ..
ومع رجائي أن لا يبخل الآباء على أبنائهم بمتابعة أمورهم المالية، وتوجيههم وتقديم النصح لهم بعدم الاعتماد على القروض في تأسيس مراحل حياتهم..
أتمنى من خالص قلبي ووجداني أن تكون مثل هذه الورش حاضرة في مدارسنا التعليمية، ولو على شكل منهاج مبسط، لتبصير أبنائنا وغرس هذه المفاهيم في نفوسهم..
وليست التربية المالية وحدها التي نطالب بإدراجها ضمن المناهج التربوية في مدارسنا وبيوتنا، بل التربية العقائدية الإسلامية هي أجل ما يجب غرسها في نفوس الناشئة، وهي لو وجدت لما استفحل الإلحاد بمستواه الحالي، والفرصة مواتية اليوم لتبسيط كتاب مصرع الإلحاد لمؤلفه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة وجعله ضمن المناهج التعليمية ..
إن الاهتمام بتأصيل التربية الدينية والاجتماعية والاقتصادية أهم بكثير عن الاهتمام بمادة الموسيقى التي لم تستطع أن تصنع لنا مزماراً يطرب له الحي برغم ما ينفق في سبيلها من مال وجهد ووقت.
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي/ ولاية بهلا
الأحد ٤ ذو الحجة ١٤٤٣
الموافق ٣ يوليو ٢٠٢٢ م