
عمّان، في 24 مايو /العمانية/ تدرس الباحثة الدكتورة خولة شخاترة في إصدارها “رحلة
ابن فضلان والتواصل الحضاري والثقافي” تفاصيل الرحلة التي قام بها الجغرافي
والسياسي والمفكر العربي أحمد بن فضلان، خلال القرن الرابع للهجرة، إلى بلاد الترك
والروس والصقالبة بتكليفٍ من الخليفة العباسي المقتدر بالله.
وتصنّف شخاترة في كتابها الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمّان، ما كتبه ابن
فضلان من مشاهدات في تلك الرحلة، تحت ما يسمّى “أدب الرحلة” الذي زخِر به التراث
العربي.
ويتألف الكتاب من مقدمة وتوطئة وثلاثة أقسام وخاتمة، تناولت خلالها المؤلفة الأسباب
التي دعتها للكتابة عن رسالة ابن فضلان، ثم مفهوم الرحلة على إطلاقها: أغراضها
ودوافعها وأهدافها التي كانت تتجاوز الترحال أحيانا لتكون وسيلة من وسائل إشباع
الفضول المعرفي، والاكتشاف، والتعرُّف إلى الآخر.
وخصّصت شخاترة الفصل الأول لتحليل جانب السفاري في رحلة ابن فضلان، وناقشت
هذه الرحلة بوصفها من أهم الرحلات في التراث العربي، لما فيها من تسجيل للتاريخ
السياسي والاجتماعي في زمنها. وتناولت في الفصل الثاني مُشاهدات ابن فضلان في بلاد
الترك والروس والصقالبة والخزر، فدرست ملامح النظام الاجتماعي، مثل: النظافة،
وآداب الموائد، والزواج، وحضور المرأة والاختلاط، وطقوس المرض ودفن الموتى،
إضافة إلى خصائص النظام السياسي، وتقاليد هذه الأمم في الحكم وأنظمتها المتعددة،
جاعلةً من هذه المشاهدة بوابة لفهم الآخر في مرآة الأنا.
وتناولت المؤلفة في الفصل الأخير رسالة ابن فضلان بوصفها نصّا أدبيّا له خطابه
الخاصّ به، فهي ليست كتابا جغرافيّا خالصا، ولا كتابا له طابع معرفي، وانحازت إلى هذا
التصنيف الأدبي فبنت دراستها عليه.
ورأت أن هذا النوع من الرحلات كان يشكّل حافزا للحكي؛ إذ يسرد الراوي أحداثا متتابعة
عبر الانتقال من مكان إلى آخر، وهو بهذا مجال رحب للقاص يمتلئ بالتفاصيل التي
يسرد خلالها تجربته الخاصَّة مع الشعوب والبلدان التي يزورها أو يمرُّ بها، فيصف ما
يراه، وتشغل مشاهداته مساحاتٍ واسعة من الرّحلة، وخلال ذلك يعمد إلى سرد رحلتِه
بوصفِه بطلا لها، ومكتشفا، وساردا في الآن نفسه.
وأكّدت أنّ رحلة ابن فضلان حوت ما سبق كلَّه؛ ذلك أنَّ كاتبها اقتنص الفرصةَ من تلك
السفارة السياسيَّة التي كُلِّف بها، فأبدع عملا سرديّا نظر خلاله إلى الشعوب التي مرَّ بها
بعين الفاحص الخبير، وقدَّم شهادة ما تزال حيَّة بيننا حتّى يومنا هذا، ولم يكتفِ في كثير
من المواضع بتقديم الشهادة فقط، بل إنّه نقل إلى القارئ وجهة نظره في حادثة ما، أو
موقف حصل أمامه.
ورغم أنَّ ابن فضلان كان يروي الأحداث من الخارج على طريقة الراوي الموضوعي
المفارق لمرويه، وكأنه صحفي ينقل لنا حدثا ما، إلا أنّ المتلقي يلمس في أحيان كثيرة
وجهات نظره الخاصة بالمشاهدات.
وخلصت شخاترة إلى أنّ الرسالة قدَّمت صورة عن الآخر المختلف في جوانب عديدة من
سماته الاجتماعية والثقافية، وأظهرت مجموعة من المشاهدات التي تراوحت بين ما هو
مألوف عند ابن فضلان وما هو غير مألوف، وما يتقاطع مع مرجعياته الدينية وما لا
يتقاطع، ما جعل الرسالة غنية بالحوارات والمشاعر المتضاربة التي يشعر بها (الراوي/
الرحّالة) خلال المواقف التي لم يعهدها من قبل.
يُذكر أنّ خولة شخاترة حاصلة على شهادة الدكتوراة في الأدب والنقد، عملت أستاذا
مساعدا وأستاذا مشاركا في جامعة جدارا، ثم رئيسا لقسم اللغة العربية فيها بين عامي
2014 و2016. ولها عدد من البحوث المحكّمة إضافة إلى ثلاثة كتب هي: “بنية النص
الحكائي في كتاب الحيوان للجاحظ” (2005)، و”الخبر عند المحسِّن التنوخي بين القص
والتأريخ” (2004)، و”معجم الكُتّاب من العصر الجاهلي إلى نهاية العصر المملوكي”
(2009).
/العمانية / 174