تمهيد :
انتهت قمة الدول السبع الكبار 7G في بريطانيا والتي تعتبر اللقاء العالمي الأول بعد الحجر العالمي الذي فرضته جائحة كورونا .ولقد حضرها الرئيس الأميركي جو بايدن في اول جولة خارجية له بعد جلوسه في البيت الأبيض.آملاً أن يعيد لملمة مافرقّه سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب .وخصوصا “لملمة الحلفاء الأوربيين” وتطمينهم بأن الولايات المتحدة عائدة من جديد لاصلاح ما دمره ترامب والعودة الى التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة واوربا والدول الكبرى الاخرى.وكذلك بين الولايات المتحدة وحلف شمالي الاطلسي ” الناتو”. بمحاولة لشحن الهمم ،وتضميد الجراح التي تعاني منها الولايات المتحدة والقيادة الاميركية المتمثلة بالادارة الاميركية ورئيسها جو بايدن. وارادت ادارة بايدن من وراء ذلك ارسال رسالة للصين وروسيا ان الولايات المتحدة عائدة لسابق عهدها قائداً للعالم ولكن هذا لن يقنع الصين وروسيا .
بايدن يقلّد الرئيس ترومان :
لحد الآن أن معظم سياسات الرئيس الاميركي جو بايدن مشابهة لسياسات الرئيس الاميركي هاري ترومان تقريبا. فأصرار الرئيس الاميركي بايدن وفي أول جولة خارجية له ان يلتقي الرئيس الروسي بوتين في جنيف له معاني كثيرة من ناحية المكان. ولكن الغريب في الأمر ان الرئيس بايدن هو أول رئيس أميركي يقرر لقاء خصمه وقبل جميع رؤساء العالم منفرداً . وهذا يعيدنا الى خطوة الرئيس ترومان الذي قام بأول رحلة خارجية الى المانيا وفور اعلان استسلامها غير المشروط. وبعد عودته الى واشنطن قررت واشنطن توجيه أول قنبلة ذرية على اليابان.
فالسؤال: هل سيكمل الرئيس بايدن تقليده الى الرئيس ترومان ويوجه ضربة كبيرة الى ايران أو سوريا أو الصين أو داخل العراق ليقول للعالم هنا أمريكا القوية العائدة … ام ماذا ؟
من زاوية أخرى :
أن موضوع حرص الرئيس الأميركي جو بايدن على لقاء الرئيس الروسي فلادمير بوتين في جنيف وبعد الانتهاء مباشرة من قمة 7G البريطانية لها عدة أسباب ومعاني :
١. لكي يجلس الرئيس الاميركي بايدن مع الرئيس الروسي بوتين وهو مملوء بالمعنويات والدعم من الحلفاء بعد قمة 7G.. ليقول الى بوتين ان الولايات المتحدة عادت لقوتها وتحالفاتها وأصدقاءها لكي يستنزع من روسيا بعض التنازلات !.
٢. لأنه لا ضمان ببقاء الزخم المعنوي والعقائدي لدى الرئيس الاميركي بايدن لو تأجل اللقاء الى وقت آخر .لأن الرئيس بايدن أشبه بالزوج العاجز جنسياً، ولكنه بعد أخذ الحبة الزرقاء ” الفياغرا ” حتما يشعر برجولته وقدرته الجنسية ولن يفرط بذلك . وهذا ما حصل عليه بايدن من قمة الدول السبع الكبرى في بريطانيا فلا يريد تضييع هذه النشوة والشعور بالقوة فقرر اللقاء مع بوتين وهو قويا !.
٣. في الحالتين في (١+٢)يشعر الرئيس بايدن بالقوة والتماسك والغرور الوقتي ( لانه لو غصت في أغوار شخصية الرئيس بايدن فهو يعاني خوف ورعب من الداخل الاميركي الذي عبر عنه مرارا ب ” الارهاب الداخلي” ناهيك عن الخوف والرعب من التراجع الاميركي في منطقة الشرق الأوسط والعراق وافغانستان ومناطق اخرى من العالم. فلديه خوف ان تملأ الصين الفراغ بمساعدة روسيا وحينها ستكون كارثة على امريكا !) من هنا يحاول بايدن تقديم اعلى وأثمن الأغراءات الى روسيا لتبتعد عن الصين أو تعطي ضمانات بانها لن تقف بوجه المصالح الاميركية خصوصا وان ادارة بايدن علقت قانون قيصر وغضت النظر عن الانتخابات السورية وفاز الرئيس بشار الأسد وكان عربون ” غصن زيتون” واغراء من بايدن الى الرئيس بوتين !
ماذا سيناقش الرئيسان بايدن وبوتين ؟
بلا شك ان الحوار والنقاش صعب جدا بل معقد جدا بين جاسوس محترف بالمراوغة والدهاء الإستخباري والتحمل والامتصاص،ومليء بالمعنويات العالية جدا ألا وهو الرئيس الروسي المنتخب حتى عام ٢٠٣٦ والعائد بروح ونشوة القيصر والقياصرة والفائز بترويض الولايات المتحدة واختراقها لأربع سنوات متتالية وهي فترة الرئيس السابق دونالد ترامب ….وبين سياسي محترف وهو الرئيس الاميركي بايدن و لكن الرجل وهن وكبر وباتَ ينسى،وطغت عليه النزعة الدينية التي فرضت عليه طابع التردد. اضافة أنه يشعر بالضعف المعنوي .فصار يمارس التطبع وغير الطبع، وهو الظهور بالقوة والتماسك وقيادة العالم ولكن هذا التمظهر مكشوف لرجل خبير استخبارات ورجل جاء من مطبخ ال( كي جي بي) ويعرف ادق التفاصيل عن الداخل الاميركي وعن الازمة المالية التي تعاني منها امريكا وهو الرئيس بوتين !.
و لهذا سيكون النقاش حول الملفات التالية :
١. ملف قضايا الاستقرار الاستراتيجي العالمي. ٢. ملف الاختراقات والحرب السيبرانية. ٣. ملف الاجندات الدولية والتحديات الصينية. ٤. ملف مكافحة جائحة كورونا والأوبئة المستقبلية. ٥. ملف الصراعات الاقليمية وايران. ٦. و ملف سوريا وعملية السلام في الشرق الأوسط.
حقائق جديدة :
فصحيح أن اقتصاد روسيا لا يساوي اقتصاد ايطاليا فيما لو قورن بأقتصاد الولايات المتحدة. وان القوة التي بحوزة امريكا اقوى واكثر من روسيا. ولكن الوضع الحالي أختلف عن الماضي. فروسيا لا تتمكن من اسقاط الولايات المتحدة ولا تتمكن من طردها من المنطقة. بل باتت قادرة العبث بسكة القطار الاميركي. وباتت لديها القدرة على أحراق ماخلف القطار الاميركي لِما لديها من سلاح حديث وفتاك وغير مجرب للآن.وروسيا عندما تكون حليف استراتيجيي للصين سوف تكون الولايات المتحدة امامهما ضعيفة أو على الاقل مترددة جدا !.
ولهذا حرص الرئيس الروسي على تكديس السلاح وبمختلف اصنافه الحديثة والفريدة ( تصنيعه وتوفره بكثرة) . ولهذا قال الرئيس الروسي بوتين بتاريخ ٢٠ مايو ٢٠٢١ ( انه سيضرب هؤلاء الذين يهاجمون روسيا على خلفية التوترات المستمرة مع الغرب ..لانه الكل يريد يقضم أو يستنزع شيئا منا .ولكن يجب ان يعرفوا ان أؤلئك الذين سيحاولون القيام بذلك “سنُكسّر أسنانهم “حتى لا يعودوا قادرين على القضم ).
واردف قائلا :١. روسيا تمتلك اكثر قوة ردع نووي تقدماً في العالم .٢. ولدينا أحدث الاسلحة النووية على الاطلاق بين كل الدول النووية وهي متقدمة جدا .٣. ولدينا نوع جديد من الاسلحة الاستراتيجية ك ” صواريخ أفنغادر”فرط الصوتية وهذا السلاح لا يوجد لدى أي طرف آخر .٤. ولدينا احدث الطائرات بدون طيار !. ٥. واصبحت تظهر لدينا مجمعات جوية وسفن سطح وغواصات قتالية ليس لها نظائر في العالم !
وهذا يعني ان الرئيس الروسي بوتين الخبير بالحرب النفسية قد قلع (أضراس ) بايدن استباقيا وقبل اللقاء .بحيث بعد اسبوع من هذا الكلام اي في ٢٦ مايو ٢٠٢١ أعلنت وزارة الدفاع الاميركي ” البنتاغون ” وعلى لسان ناطقها الرسمي أنه ( لا أحد في البنتاغون يصف روسيا بأنها عدو للولايات المتحدة ولحلف شمالي الاطلسي )وفي تاريخ ١ حزيران ٢٠٢١ اعلن الرئيس الاميركي بايدن بأنه أعفى شركة Nord Stream2 AG الروسية الاوربية المشتركة من العقوبات الخاصة بمشروع أنابيب الغاز السيل الشمالي 2 !.
للحديث بقية !
د. سمير عبيد – مدير مركز التنوير والتحليل للأستشارات – والدراسات السياسية والإستراتيجية ١٤ حزيران ٢٠٢١