هناك جانب من واقع الأيديولوجيا القومية العربية، كما يمثلها المشروع النهضوي بأهدافه الستة، لا يحظى بمناقشة كافية.. إنه يتعلق بمنهجية وأساليب العمل من أجل تحقيق تلك الأهداف، فالأهداف التي لا يصاحبها فعل في الواقع تنقلب إلى ثرثرة أكاديمية.
والسؤال هو: هل أن ترك النضال من أجل تلك الأهداف للقوى السياسية القطرية، والاكتفاء بالتنسيق والتعاون في ما بينها، كاف لتحقق تلك الأهداف في أمد معقول؟ خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار التراجعات المفجعة، والخراب الهائل، والاستباحة الأجنبية الممنهجة التي حلت بالوطن العربي منذ نهايات القرن الماضي، والتي تجعل الأمة كلها تعيش في حالة أزمة وجودية كبرى.
والجواب هو أن ذلك لن يكفي، لأن قوته وفاعليته القطرية لن تكون متناسبة مع الأخطار الكبيرة التي تواجهها معظم الأقطار العربية، خصوصا الأقطار التي كانت تاريخياً تمثل عقل وقلب وروح هذه الأمة. من هنا كان طرح فكرة الحزب القومي العربي الواحد، أو الحركة القومية الواحدة، وعدم الخضوع لمتطلبات ومحددات الحدود في ما بين الأقطار العربية، الذي تم في أربعينيات القرن الماضي. لكن قداسة ذلك الطرح القومي النضالي، لم تمنع الصراعات والانقسامات والمؤامرات التي عاشتها تلك المؤسسات القومية، والتي أدت إلى هامشيتها في الحياة العربية وتسليم الأمر إلى العساكر وإلى مختلف الأقليات الحاكمة. ولذلك، وبعد تراجع مد الخمسينات القومي المتعاظم، جرى طرح شعارات مثل “الحركة العربية الواحدة” أو “الكتلة العربية/القومية التاريخية” أو “جبهة النضال العربي الموحدة” أو “الكتلة التاريخية الديمقراطية”. ونوقشت تلك الشعارات في ندوات وكتابات ومؤسسات سياسية محدودة. لكن تلك النقاشات لم ترتفع قط إلى مستوى الزخم الشعبي الواسع، وظلت حبيسة غرف المثقفين والجزعين على مصير هذه الأمة. إذن هناك حاجة ملحة لإعادة طرح فكرة وشعار ومأسسة “الحركة العربية الواحدة” من جديد، بأسلوب مختلف، بزخم أكبر، بقوى جديدة متمرسة في مستجدات العصر وإمكانياته التنظيمية والتواصلية الهائلة. هناك حاجة أيضا لجرأة أكبر، لنفس طويل غير متردد، ولسبر أغوار الفطرة بكل تفاصيلها وتعقيداتها.
المجال هنا لا يسمح بالدخول في كثير من التفاصيل المهمة بالنسبة لآفاق العمل من أجل تحقق الفكرة: من الذي سيشارك، من الذي سيتعاون؟ من الذي سنواجه كعدو لمثل توجه كهذا، أين مكان المنطلق، الذي يمكن استيعابه من ماضي النضال القومي الوحدوي؟ وما الذي يجب نقده والابتعاد عنه، ما الذي سيقوم به المركز وما الذي ستقوم به الأطراف؟ ما وزن التبشير وما وزن الفعل، ما مكانة وتفاصيل الممارسة الديمقراطية الحقيقية لإدارة كل ذلك؟ ما دور المؤسسات المدنية العربية غير السياسية في بناء ودعم والعمل مع هذه الحركة؟ هناك عشرات الأسئلة الأخرى، وبالتالي فقد لا توجد إجابات مقنعة لكلها في آن واحد ومنذ البداية. لكن المهم هو أن لا يوجد غموض مقصود، وأن لا تمارس انتهازية فكرية، وأن تمارس المرونة، حيث تجب والمبدئية الصارمة حيث التمسك بالقيم الفكرية والأخلاقية لا مساومة فيها.
من الضروري أن يعي شباب الأمة وشبابها، أمل المستقبل العربي الذي بقي، بأن نضالهم يجب أن يكون أكثر من حشد وتجييش جماهيري مؤقت وغير منتظم، وأن لا تفارق جهودهم الأفكار والاستراتيجيات والمنهجيات والأيديولوجيات المفصلية المطلوبة.
د. علي محمد فخرو
16/6/2021