تتنافس الدول في جذب رؤوس الأموال إلى بلدانها بكافة الطُرق، بُغية توسعة رقعة الاقتصاد فيها والذي يوفر معه فرصاً كثيرة، ومن أهم الطرق المبتكرة- وإن كانت منذ زمن في بعض الدول- تقديم الإغراءات لرجال الأعمال وأصحاب الثروات بمنحهم إقامة طويلة لهم ولعوائلهم وفق شروط مُعينة، كأن يضع وديعة في البنك المضيف بمبلغ عالي لعدد من السنوات، أو أن يُمارس التجارة بمبلغ ضخم دون شريك محلي، أو أن يكون شريكاً تجارياً لتاجر محلي بمبلغ مالي ضخم، أو أن يتملك عقاراً حسب مواصفات معينة.
حان الوقت لأن تطرق السلطنة هذا الباب، وهذا هو التوقيت المناسب لهذه الخطوة خاصة وأنَّه من الواضح أنَّ السلطنة واضعة أولوية قصوى لجذب الاستثمارات الخارجية إليها، ولا يُمكن لها ذلك إلا من خلال أدوات وطرق عديدة منها أن تطرق هذا الباب، وتستقطب أصحاب الثروات إلى السلطنة، وتقدم لهم عدداً من الإغراءات منها الإقامة الطويلة لهم ولعوائلهم، فعلى الحكومة إن أرادت أن تطبق الفكر الاقتصادي، فإنَّ عليها أن تتبنى بعض الطرق الجاذبة للمستثمر الخارجي، وأن تُفكر بعقله وليس بعقلها، دون إضرار بأمنها وأهلها، أو تطبيق المعادلة العادلة “لا ضرر ولا ضرار”
تنويع مصادر الدخل للسلطنة لم يعد شعاراً يُقال عند كل مناسبة، ولم يعد خياراً بل جزءًا أصيلاً من عمل الحكومة ينعكس في عدد من السياسات والبرامج والمبادرات التطبيقية، وهذا التوجه أصبح أكثر وضوحًا منذ عام 2020، وظهر جليا في عدد من قرارات وبيانات الحكومة المتسارعة والمتتالية، ولأنَّ الذي لامس من هذه القرارات يكمن في ضبط الصرف في الجهات الحكومية، وتقليص بعض المزايا الوظيفية، وتقليل أعداد الموظفين لمن تجاوزت خدماتهم 30 عاماً، واستحداث بعض الضرائب، ورفع رسوم الخدمات الحكومية، فمن الملح الآن أن تسعى الحكومة في خوض أبواب جديدة من خلالها يمكن ضخ سيولة إضافية مطلوبة بشكل عاجل في الوعاء المالي المحلي.
توسعة الاقتصاد وتنويعه وتحفيزه هو حل مستدام لفرصٍ كثيرة ومنها حل معضلات التوظيف، فهو في قمة الأولويات لمعظم الحكومات، ولا يمكن الاعتماد على مصدر واحد أو اثنين لتقوية اقتصاد الدولة، فكان من الضروري ابتكار مسارات متنوعة لضمان ديموية التنمية، ومنها بل وأهمها ملف جذب الاستثمارات الخارجية، وتحفيز الأفراد والمؤسسات والمشرفين عليها لاتخاذ قرار القدوم من عدمه، وإقناع هؤلاء لا يكون إلا من خلال خطوات عملية واضحة ومُغرية مقارنة بباقي المنافسين على هذه الحصة التي يحاول الجميع اقتناصها.
الإقامة الطويلة هي إحدى الخطوات العملية، على أن تكون مشروطة بالحد المعقول، ولا تكون تعجيزية، ويمكن للسلطنة أن ترصد المبادرات الموجودة عالمياً وإقليمياً، وتخلق نموذجا محلياً مغرياً مقارنة بغيرها من الدول، وبدون الإغراءات المقنعة، فلن يكون الأمر ذا جدوى كبيرة.
مبادرة منح الإقامة الطويلة لبعض الشخصيات التجارية تعد مكوناً جوهرياً لملف جذب الاستثمارات الخارجية إلى السلطنة، وهي مبادرة أثبتت جدواها في معظم الدول التي طبقتها، وعلى المجتمع المحلي من أفراد وتجار وحكومة ألا يعتبروها هاجسا لهم لعدة أسباب: أولا لأن المقترح والمبادرة إن طبقت ستكون مشروطة ولن تكون مطلقة، ثانياً بإذن الله ستكون خلاصة أفضل التجارب العالمية والإقليمية، ثالثا إنها ستفتح فرصاً وآفاقا كثيرة وستعظم ملف التوظيف، وملف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وملف نقل التكنولوجيا والخبرات البشرية، وآفاقا أخرى غير مباشرة، وعلينا الاستفادة من محاسن هذه المبادرة، وأخذ الحذر من عيوبها.
خلاصة القول.. على الحكومة أن تسرّع في الخطى وتحول الشعارات المبهرة إلى خطوات عملية ملموسة وخطط تنفيذية واضحة تصل إلى عقلية المستثمر وتقنعه، وأن تبني أو تتبنى أو تبتكر باقي المكونات الجوهرية لملف الاستثمار الخارجي، ولأن السلطنة أرادت سلك هذا الطريق، ومنها هذه المبادرة، فلابد لها أن تتبع ما يلزم لتحقيقه بتخطيط مبكر دون تأخير وبكل جسارة وجرأة.
خلفان الطوقي