منذ أن بدأت جائحة كورونا والجميع يترقب الضوء الخافت الذي يأتي من آخر النفق المظلم حاملا للبشرية خبرا سعيدا أن مأساتهم الناتجة عن الجائحة في طريقها للتلاشي. وقبل أن يلفظ عام الجائحة أنفاسه الأخيرة كانت البشرية قد بدأت فعلا تمسك بذلك الضوء/ الأمل وهي ترى عمليات التطعيم قد بدأت وإنْ بشكل بسيط وفي دول قليلة بعد أن نجحت البشرية في اكتشاف أكثر من لقاح فعّال ضد الفيروس.
وصار حلم الناس بالتعافي من الجائحة صحيا واقتصاديا واجتماعيا قريب المنال، لكن سرعان ما أعاد الفيروس الواقع تحت هجوم كبريات شركات الأدوية في العالم تبديل استراتيجيته وظهر على أشكال متحورة: سريعة العدوى وأكثر فتكا ومن بينها متحور “دلتا” الذي يتشفى الآن في أغلب دول العالم والذي ضاعف عدد الإصابات والوفيات خلال شهرين فقط وما زال مستمرا وسط ذهول العلماء والمتخصصين في عالم الأوبئة. وعادت الكثير من الدول كانت قد بدأت تعيش فرحة التعافي إلى المربع الأول. كانت السلطنة من بين الدول التي وصلت في يناير الماضي إلى مرحلة متقدمة جدا من التعافي ضد الوباء، وتراجعت فيها الوفيات اليومية لتسجل في كثير من الأيام درجة “صفر” وفيات وتراجعت الإصابات اليومية إلى أرقام بسيطة جدا وكذلك الحالات التي تحتاج إلى التنويم في المستشفيات. إلا أن الأمر لم يستمر كثيرا بعد أن بدأ “دلتا” في الانتشار في السلطنة، وعاشت البلاد أحد أصعب أيامها خلال أشهر أبريل ومايو ويونيو ويوليو قبل أن تعود الأرقام إلى التراجع بعد جهد عظيم جدا بذل من المؤسسات الصحية وكذلك من المواطنين الذين كان لوعيهم دور كبير في كبح جماح الجائحة، كما كان لصبرهم على إجراءات منع الحركة وإغلاق الأنشطة التجارية دور كبير في تجاوز الأصعب. ولا يمكن أن ننسى ضحايا الجائحة الذين غادرونا خلال العامين الماضيين، فقد كان رحيلهم مؤلما جدا على الجميع وستبقى ذكراهم مرتبطة بهذه المحنة التي مرت على البشرية.
وتبدأ السلطنة هذا الأسبوع مرحلة جديدة من مراحل مواجهتها للجائحة تتمثل في عودة تدريجية إلى حياة شبه طبيعية لا تخلو من الحذر والترقب. لكن هذه المرحلة تحتاج إلى وعي مضاعف من الجميع حتى لا نقع في مأزق النسيان، فما زالت الجائحة موجودة وما زال الفيروس قادرا على التحور من جديد وإنتاج سلالات يعلم الله وحده قدراتها ومدى تمكن التطعيمات الحالية من مواجهتها والحد من خطورتها.
منذ 20 شهرا والجميع ينتظر فرجا كهذا الفرج الذي ينتظرنا ومن أجل أن يستمر ويزداد اتساعا فإننا بحاجة إلى أمرين اثنين: يتمثل الأول في أخذ الجرعتين من التطعيمات المعتمدة في السلطنة والتي توزع بشكل مجاني وفي أمكان قريبة وميسرة. واختارت السلطنة أفضل أنواع التطعيمات المعتمدة حتى الآن: أفضل من حيث المأمونية وكذلك من حيث الفاعلية التي تصل إلى 95% ضد الأعراض المتوسطة والحرجة وبنسبة 100% من حيث الحماية ضد الوفاة. أما الأمر الثاني فيتمثل في الحد الأدنى من الإجراءات الاحترازية وهي المداومة على ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي قدر الإمكان وهذه الإجراءات أصبحت ضمن معطيات الحياة اليومية لجميع سكان الأرض تقريبا. ومن المتوقع أن تستمر مع الإنسان لسنوات قادمة إما على سبيل الحماية من الوباء المتوقع استمراره لسنوات وإما على سبيل تحول هذه الإجراءات إلى سلوك إنساني يستمر لسنوات طويلة.
هذه شروط بسيطة مقابل أن نستطيع التعايش مع الوباء ونمارس حياتنا بشكل طبيعي ونوقف نزيف الوفيات اليومي الذي يخطف الآلاف في بلادنا والملايين على وجه كوكبنا الصغير.