هنا ملخص البحث ونتيجته تلبية لسؤال بعض الأكرمين، والبحث من الحجم الصغير A5 وهو مطبوع ٢٠١٦ م، وفيه نحاول الإجابة على سؤال مركب؛
كيف كانت هيئة الصلاة عند النبي عليه السلام يوم موته؟! وكيف تعددت الهيئات لتصل إلى ما نراه اليوم؟!
فكانت خلاصة البحث التالي ؛
-أن الرسول عليه السلام مات بالفعل على هيئة واحدة كان عليها عمل أهل المدينة إلى نهاية القرن الثاني للهجرة تقريبا وكان عليها كل المسلمين.
- بعدها بدأ يظهر تدوين وتوثيق الحديث (القرن الثاني والثالث الهجريين) وما ارتبط به من تقعيد وعلم مستقل، وكانت من أهم القواعد (الحديث الآحاد يفيد العمل ولا يفيد العلم أي العقيدة)
- هل العمل (أي الذي يصل عبر الوراثة من خلال الممارسة العملية كهيئة الصلاة) مقدم على الرواية (الحديث) الصحيح الوارد عن النبي عليه السلام
- ثبت الإمام مالك (ت ١٧٩ هـ) على كون العمل المتوارث عن النبي والذي عليه العمل عند أهل المدينة أولى بالاتباع من الرواية (الحاوي الكبير للماوردي-ط ١-دار الكتب العلمية- بيروت ج ١٦ ص ٨٧)، لأنهم لم يكونوا ليعملوه لولا أنهم أخذوه عن النبي وكان آخر عمره صلى الله عليه وسلم ومات عليه، ودليل ذلك أن مالكا في كتابه الموطأ روى حديث القبض عن المصطفى إلا أنه لم يعمل به لمنهجه أعلاه، وكان هو مفتي المدينة لذلك بقي أهل المدينة على تلكم الهيئة المتوارثة (الإرسال وعدم القبض في الفرض ينظر المدونة الكبرى للأصبحي- دار صادر- بيروت ج١ ص ٧٤) حتى نهاية القرن الثاني الهجري بعد موت الإمام مالك في الربع الأخير منه.
- رجح بعدها الامام الشافعي (ت ٢٠٥ هـ) تلميذ مالك تقديم الرواية على العمل (أصل صفة الصلاة للألباني- ط ١- مكتبة المعارف- الرياض ج ١ ص ٢٨) ومن جاء بعده كأحمد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ) تقديم الرواية الثابتة على العمل المتوارث، وأيضا كان ذلك من أبي حنيفة (ت ١٥٠ هـ) في العراق/ الكوفة، وقد ارتحل الشافعي لأقطار عدة منها اليمن ومصر والعراق، مما قد يكون ساعد في انتشار منهجه بتقديم الرواية على العمل وبالتالي انتشار القبض بين المسلمين وغيرها من هيئات ارتبطت بالروايات أكثر من العمل
- ولأن هيئة الصلاة متوارثة في الأصل عبر الأداء العملي اليومي قبل كتابة الروايات ثبت الأولون (الائمة جابر بن زيد (ت ٩٣ هـ) ومالك بن أنس وزيد بن علي (ت ١٢١)) على الهيئة العامة لأهل المدينة التي كانوا عليها حتى أواخر القرن الثاني الهجري
- بينما من رأى تقديم الرواية على العمل، مارس ذلك في هيئة الصلاة عبر ما ورد روايةً عنه صلى الله عليه وسلم من رفع اليد والقبض والتأمين ورفع السبابة والتسليمتين والقنوت إلخ
- ولأن هناك روايات متعددة الهيئات فقد اختلفوا باختلافها، فمنهم من يرفع عند تكبيرة الإحرام فقط لرواية ثابتة عنده، ومنهم من يرفع عند كل تكبيرة غير تكبيرات الانتقال، ومنهم من يرفع فيها كلها، ومنهم من يقبض تحت الصرة وفوقها وعلى الصدر، ومنهم من يقبض القيام قبل الركوع، ومنهم -مؤخرا- من يقبض في كل قيام قبل الركوع وبعده، ومنهم من يسلم تسليمة واحدة ومنهم تسليمتين، كلها بناء على روايات ثابتة لدى كل منهم أو تأويل متعلق برواية ثابتة.
- ولم ينقطع تطبيق الروايات في الصلاة وتغيير العمل بتقديم النقل إلى عصرنا الحاضر، وهو ما قد يفسر ما سماه البحث “تبادل الأدوار” بين الأصل والفرع أو المستجد، حتى يغلبَ الفرعُ أو الجديدُ الأصلَ القديمَ في الانتشار في حقبة زمنية -كما هو اليوم- فيُظَنَّ أنه هو الأصل وأنه ما كان عليه النبي عليه السلام وأن الأقل عملا أو انتشارا في تلك الحقبة هو الفرع أو المبتدع، فكان آخر هذا التطبيق ما أفتى به الشيخ ابن باز مؤخرا من القبض بعد القيام من الركوع، والذي لم يكن العمل عليه إلى عهد قريب في الحرم المكي أو المدني (وقد خالفه الشيخ الألباني في فتواه وعده بدعة ضلالة- أصل صفة الصلاة الألباني ج ٢ ص ٧٠٠-٧٠١) ، ومن يبحث في اليوتيوب عن الصلاة قبل ثلاثين سنة مثلا يلاحظ عدم قبض الإمام يديه ولا المأمومين بعد القيام من الركوع ( صلاة التراويح ١٤٠٦ هـ الدقيقة ٣٣:٣١ لا يقبض الإمام والمأمومون أيديهم بعد القيام من الركوع https://youtu.be/nZDUBLR50No)، ولو قابلها بصلاة الناس في الحرم اليوم من القبض الدائم عقب القيام من الركوع وقبل السجود لظن أن لهذا أصلا قديما وممارسة متصلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة التراويح ١٤٣٠ هـ الوقت ٢٧:٢٥ د الإمام ومن وراءه يقبضون بعد القيام من الركوع
https://youtu.be/U4rNl3umQ4c)، وقد يؤذي المصلين الآخرين في الحرم في عدم صلاتهم بتلك الصفة من صلاة أهل مكة، فينكر عليهم هيئتهم ويجادلهم فيها، وأنها بدعة الخ، دون أن يعلم أن عمر تلك الهيئة فقط ٢٤ سنة أو أقل. - ومن أمثلة تبادل الأدوار أيضا ما يلحظ في المغرب العربي (وحتى الخليج العربي كما جاء في مقطع ڤيديو عن مستشار رئيس الدولة في الإمارات للشؤون الدينية الشيخ علي الهاشمي
https://youtu.be/XC8WLiebOB8) حيث لم يكونوا يقبضون في الصلاة أيديهم إلى أواخر القرن الماضي، بسبب تمسكهم برأي الإمام مالك (القديم كما قد يوصف) بتقديم العمل على الرواية، حتى بات “من قَبض قُبضَ عليه” بينما انتصر بعض المالكية مؤخرا -متأثرين-بالرأي الآخر وهو تقديم الرواية عن النبي عليه السلام على العمل والممارسة، فبدؤوا يقبضون أيديهم أخيرا (مذهب الامام مالك الجديد -ممارسة- كما قد يسميه البعض)، ومن يقارن بين صلاة مسجلة لتراويح في أحد الجوامع المشهورة ببلاد كتونس وليبيا والمغرب مثلا في ثمانينات القرن العشرين أو حتى بعد ذلك يرى تغير المصلين تماما من وضع إرسال اليدين قديما ( صلاة التراويح ٢٠١١ م مسجد مولاي محمد طرابلس ليبيا الإمام وأكثر المصلين يرسلون أيديهم ولا يقبضونهما والإمام لا يرفع يده في تكبيرة الإحرام https://youtu.be/TLd7cBQZcSg ) إلى قبضها حديثا (صلاة التراويح ٢٠١٤ م في ذات المسجد بطرابلس والإمام وأغلب المصلين يقبضون https://youtu.be/mY46yEDp8gI)، حتى يظن من يصلي في ذات المسجد اليوم أن ذلك هو أصل صلاة أهل الجامع لولا توثيق اليوتيوب بغير ذلك.
-لم يرد شيء في الصلاة وهيئتها عابه المسلمون على بعضهم رغم خلافهم واقتتالهم في القرنين الأول والثاني الهجريين، وقد صلى الإمام مالك خلف أبي حمزة الشاري (من الإباضية) (ت ١٣٠) وخطبهم في المدينة إبان طرد والي الأمويين منها، وخطبته مشهورة نقلها الإمام مالك نفسه (العقد الفريد لابن عبد ربه – ط١- دار الكتب العلمية ج ٤ ص ١٣٢ ) ولم يستنكر عليه صلاته وهيئته، ما يدل على اتفاقها مع صلاة أهل المدينة يومئذ وهيئتها، وهذا من الشهادة الكامنة، على أن الصحابة عابوا صلاة معاوية عندما لم يقرأ البسملة ولم يكبر ولم يغفروا له سهوه في صلاته ببعض هيئتها (الأم للشافعي – دار المعرفة- بيروت ١٩٩٠ م ج ١ ص ١٠٨)
الجدير بالملاحظة أن الروايات مفرغة من البعد الزمني في المجمل، فيتعذر بالتالي معرفة زمن وقوعها إلا عبر القرائن إن وجدت، ولكنه لا ينص عليها ولا تؤرخ في مادتها، ولا يمكن حتى الاعتماد على رواة سندها أنها كانت وهم شهود في كثير منها، بينما العمل يؤرخ بطبيعة الممارسة اليومية، من ذلك بقي أكثر العمانيين والمالكية من أنصار المذهب القديم والزيدية والامامية على سدل/ إرسال اليدين -كمثال لاختلاف الهيئة- وعدم قبضها ليس بالرواية ولكن عن طريق العمل الذي يعتقدون بأنه آخر ما كان عليه النبي عليه السلام!
وفي الخاتمة كلٌ منهم يرجو فيما يفعل اقتفاء أثر النبي عليه السلام وقبول الصلاة، وكما وعد الله (وما كان الله ليضيع إيمانكم) البقرة/ ١٤٣ -وكان يتكلم عن الصلاة في تحويل القبلة- فهو لن يضيع صلاة أيٍّ منهم بإيمانهم وصدق منطلقهم، مهما تبيانت هيئاتهم، إن الله بالناس لرؤوف رحيم.
هذا ملخص ما توصل إليه البحث
مع خالص التقدير
عبدالحميد بن حميد بن عبدالله الجامعي
السبت
١٩ محرم ١٤٤٣ هـ
٢٨ اغسطس ٢٠٢١ م