عنوان مقالي اليوم هو عنوان «ملتقى البعث» الذي كنت ضيفاً فيه يوم السبت الماضي في محافظة السويداء، وكان ملتقى ناجحاً من حيثالمحتوى، والمداخلات الجريئة التي قُدمت فيه، والحوارات الغنية التي تعكس رغبة قوية لدى السوريين في التغيير، والذي برز بوضوح شديدمن خلال الأسئلة التي وجهت لي، والتي أتفق مع قسم كبير منها، ولكني أختلف مع بعضها وهذا أمر طبيعي، والمهم هو أن تزداد هذهالملتقيات الحوارية مع الناس، والرأي العام السوري في كل مكان، وألا نترك الساحة للقيل والقال، ولوسائل التواصل الاجتماعي من دونحوار عميق وجريء مع ناسنا، وشعبنا في كل مكان.
فيما يخص العنوان فقد قدمت بعض الأفكار والرؤى بهدف إثارة النقاش والحوار، ومنها:
– في تعريف «من نحن»، أشرت إلى أن المقصود بذلك هو كل السوريين وليس حزباً سياسياً، أو اتجاهاً أيديولوجياً، لأن التغيير يحتاج إلىعمل جماعي ورؤية مشتركة.
– في تعريف الإرادة: هناك عشرات الأمثلة الفردية والجماعية، ولكن بإيجاز هو السير نحو الهدف لتحقيقه، وتجاوز العقبات والصعوبات،فالإرادة تساوي العمل، ولا يمكن الحديث عن إرادة نظرية من دون عمل.
– الناحية الأخرى أن الإرادة = العمل ترتبط بالعقل لأنه من أجل الوصول للأهداف، لابد من تحديد المسار، ووضع الأهداف لتحقيقها، إذاً:الحياة الإنسانية هي الإرادة التي يعبر عنها الفعل والحركة، مع العقل والتخطيط.
– لا إرادة من دون فعل، وكذلك لا فعل من دون تغيير، بغض النظر عن حجم التغيير! لكن هنا يطرح سؤال: أي شكل للتغيير، وفي أي اتجاه؟وهذا مهم جداً.
– سؤال آخر: هل القيود أو الضوابط تقيد من إرادة التغيير؟ والحقيقة أن الأمر يرتبط بالأهداف الموضوعة، وطرق تحقيقها، ومن ثم ما علاقةالفرد بالجماعة؟ وهذا مهم لأن حرية الفرد ضرورية، لكن بما يخدم مصلحة الجماعة، والشأن العام.
النقطة الأخيرة: أنه لا تعارض بين حرية الفرد الواحد، وطريقة حياته، وبين الالتزام بالأهداف والمبادئ العامة التي وضعها المجتمع، الذي هوأحد أفراده.
هذه المقدمات فتحت بوابات لأسئلة مشروعة:
– ما الذي نريد تغييره؟
– ما الهدف من التغيير المنشود؟
– هل التغيير من أجل الخاص أم العام؟
– لا يجب إخفاء إشكالية لدينا بين الأنا والـ نحن، إذ لابد من تعزيز الـ نحن الوطنية، وتقليل الأنا الشخصية، والدليل نظرتنا للمنصب، والموقعالعام، ونظرتنا لتطبيق القانون، إذ غالباً ما نرى أن من يطبق القانون هو ضعيف، على حين من يتجاوز القانون، ويخالفه هو صاحب حظوةونفوذ، أعطني مثالاً لمواطن بسيط يخالف القانون، على حين من يخالفون إما أنهم يمثلون نفوذاً أو سلطة، أو جاهاً ومالاً.
المهم في التغيير: ماذا نغير في حياتنا، وكيف نغيره؟ ما هي القيم التي يراد تغييرها وأنماط التفكير؟ ومنها: النظرة للفساد، الأخلاق، النفعالعام، النظرة للمنصب، ماذا تقدم لشعبك أم لجيبك؟
الحقيقة أن ما طرحته أثار موجة من الأسئلة، وإن شئتم الاتهامات، وهذه الأسئلة والاتهامات سنجدها في مدن سورية أخرى كذلك، ومنها:
– الخطاب السياسي السوري لم يتغير إلا من خلال الشكل، ودائماً ما يبحث عن الشماعات لتعليق الأخطاء عليها، وإلقاء اللوم علىالآخرين، وهذه نقطة لابد من البدء بها للتغيير، حتى إن أحد المشاركين قال: لماذا نخاف من الحقائق، ولا نخاف من الأوهام؟
كثيرون قالوا إننا سوف نصفق للأفعال والأعمال، وليس للتصريحات والشعارات التي أتعبت الجميع!
بداية التغيير حسب بعض الطروحات من الاعتراف بالواقع أولاً، وتحديد سمت الرؤية، وإلى أين نريد الذهاب، والتغيير يبدأ بالإنسان،بالتعليم والثقافة، وهنا دور مهم للنخب، والمؤسسات العلمية والثقافية.
أحد الحضور اعتبر أننا مازلنا نتمسك بنصوص فكرية جامدة وقديمة، وأنه لا جدية لدينا في التغيير، وبرأيه فإن قوة القيادات تظهر بالقدرةعلى اختراق المجتمع والحوار معه، وهذه نقطة مفقودة.
برأي مشاركة أخرى، إن التغيير يحتاج لقوة اقتصادية، وإن الحل جماعي ومؤسساتي، ولابد لنا من الابتعاد عن تجميل القبيح.
إن نقل فحوى ما دار من نقاشات، وحوارات في السويداء هدفه الإضاءة على ما يجول في خاطر السوريين من أسئلة ومسائل تحتاجللنقاش والحوار معهم بشكل ممنهج ومستمر وصادق وشفاف.
لكن ما لمسته أوصلني لمجموعة استنتاجات:
1- يعتقد البعض أن التغيير مطلوب لمجرد التغيير، من دون أن يدرك هؤلاء أن التغيير يحتاج إلى شروط، منها:
– البيئة المناسبة.
– التخطيط لتحديد الأهداف.
– القوننة والتشريعات.
– الإدارة لتحقيق ذلك.
وهذا ممكن على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة.
2- التغيير لا يعني أبداً نسف الماضي، إذ لوحظ أن البعض يعتقد أن الماضي كله خاطئ، ويقيمه بأدوات الحاضر، وهذا خطأ منهجي،فالتغيير المطلوب ليس صيغة غورباتشوفية أي «إعادة البناء»، عبر هدم الماضي لإنتاج حاضر أفضل، وإنما إجراء المراجعات المطلوبة لكلالتجربة السياسية، والاقتصادية، وتحديد نقاط القوة لتعزيزها، ونقاط الضعف لتلافيها، لأن الماضي ليس كله أخطاء وخطايا كما يحاولالبعض القول لنا، ولا الحاضر مليء بالميزات والإيجابيات، والقصة باختصار أن كل تجارب الدنيا بحاجة للمراجعة والتطوير في كلالمجالات، وهي الفلسفة التي استند إليها الرئيس بشار الأسد منذ عام 2000، ومن يتابع خطاباته وتوجيهاته للمؤسسات، يرى بوضوحالعقل الناقد البعيد عن العاطفة، أكثر منه العقل المغرور بالإنجازات التي تعودنا عليها، وإذا كان لابد من التغيير والعمل عليه، فإننا نحتاجإلى المراجعات الضرورية لكل جوانب حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من دون هذه المراجعات العلمية والموضوعية لا إمكانيةللانطلاق نحو المستقبل، وإحداث التغيير المنشود.
د. بسام أبو عبدالله