ساعات تفصلنا عن القمة العربية الواحدة والثلاثين لزعماء العرب في العاصمة الجزائرية التي ستعقد يومي 1 و2 نوفمبر 2022، وسط ترقب شعبي ورسمي لهذه القمة التاريخية التي تترأسها دولة عظيمة انفردت عن غيرها من الدول العربية بتاريخها النضالي الذي كتب بأحرف من النور وبتضحيات المجاهدين الأبطال ضد الاستعمار الفرنسي البغيض، فقد تجاوز عدد شهداء ثورة الجزائر المجيدة المليون شهيد.
ومنذ استقلالها عام 1962 تقود الجزائر الأمة العربية نحو لمِّ شمل الأنظمة العربية المتناثرة التي تجتمع في العادة في مقر الجامعة العربية؛ وتتفق الوفود عبر العقود بأن لا تتفق! ما يعكس عدم الاهتمام بمستقبل العرب ومحاولة شق الصف العربي في كثير من الأحيان لخدمة الأهداف الأجنبية التي لا تريد أن تقوم للعرب قائمة على الإطلاق. وتاريخ الأمة يذكر بمواقف القيادة الجزائرية في أحلك الظروف والأزمات والنكسات التي لحقت بالأمة العربية خاصة نكسة “يونيو 1967” التي تجرع فيها العرب الهزيمة من الكيان الصهيوني الذي كان وما يزال تقف خلفه الدول الاستعمارية التي زرعته في قلب الوطن العربي في الأربعينيات من القرن العشرين. فقد قام الرئيس الجزائري هواري بومدين بزيارة لموسكو عقب النكسة مباشرة لشراء السلاح لمصر حاملاً إلى ليونيد برجنيف زعيم الحزب الشيوعي السوفيتي شيكًا مفتوحًا من الجزائر لإقناع وإغراء قادة السوفيت بالالتزام بوعودهم تجاه العرب الذين خذلتهم الأسلحة القديمة التي جُلبت من روسيا في ذلك الوقت وتسببت في تلك الكارثة.
ولعل ما أثلج صدورنا جميعا الدور الريادي للجزائر نحو قضية الأمة المحورية فلسطين؛ إذ تابعنا خلال الأسابيع الماضية قيام الرئاسة الجزائرية بجمع الفصائل الفلسطينية بمختلف أطيافها لتوحيدها، وذلك للوقوف صفًا واحدًا في وجه العدوان الإسرائيلي الغاشم ضد الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يتعرض بشكل يومي للإبادة الجماعية على مرأى ومسمع العالم. فالجزائر دائمًا في المقدمة للذود عن قضية فلسطين والمسجد الأقصى الذي يدنسه جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلاله أيام النكسة التي سقطت فيها القدس الشرقية تحت الاحتلال.
إن أكثر ما تحتاجه الجامعة العربية اليوم، هو التعديل الجذري في نظامها الداخلي لتواكب احتياجات الأمة ومتطلبات مستقبل العرب؛ في هذا العصر الذي تحول فيه العالم إلى تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية واندماجات جغرافية متجاوزة بذلك الحدود السياسية التي رسمت من قبل الدول الاستعمارية قبل عدة عقود
إن مشروع إصلاح بيت العرب الأول (الجامعة) هو حلم كل عربي مخلص في هذا الوطن الكبير، وقد فشلت كل المحاولات السابقة لتوجيه هذا المشروع القومي نحو العمل العربي المشترك الذي نتطلع أن ينهض يومًا ما ويرى النور، وذلك للارتقاء بمستقبل الشعوب العربية وجمع شملها، وتوحيد الصفوف من المحيط إلى الخليج تحت راية الإسلام والعروبة.
العرب اليوم أكثر الأمم تشردًا في هذا العالم، فالأرقام التي تنشرها المنظمات الدولية المشرفة على اللاجئين صادمة بكل المقاييس؛ إذ تقدر العرب بالملايين، بينما أرخص دم يسفك على ظهر هذه الأرض هو الدم العربي. وعلى الرغم من ذلك، فإن أحسن العرب استخدام إمكانياتهم الاقتصادية وثرواتهم النفطية التي تقدر بتريليونات الدولارات وكذلك الثروات الزراعية والمعدنية ومواردهم البشرية التي تتجاوز مئات الملايين من البشر على مساحة أكثر من 13 مليون كيلومتر مربع، سوف يكون ترتيبهم الثالث أو الرابع من حيث القوة الاقتصادية والعسكرية في العالم.
إن تشرذم الصف العربي وتركيز بعض الدول على مصالحها الضيقة، جعل الأمم وشعوب الأرض قاطبة تستخف بهم وتهضم حقوقهم، ولعلنا نتذكر قادة الدول الكبرى وخاصة الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي دعا في سبتمر الماضي إلى إعادة هيكلة الأمم المتحدة، وإضافة اليابان وألمانيا والبرازيل والهند إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، متجاهلا بذلك العرب وثقلهم السياسي والسكاني والاقتصادي.
لا شك أن جمهورية الجزائر وقيادتها الرشيدة جديرة بهذا الحمل الثقيل لما لها من زخم وطني وإرث بطولي وتاريخ عريق في الدفاع عن قضايا الأمة العربية، فالجامعة العربية تحتاج جيلا قياديا من الشباب المخلص لكي ينقل هذه المؤسسة نقلة نوعية، ويتجاوز هذا الفريق الجديد الذي يفترض أن يتمتع بإمكانيات عالية وقدرات دبلوماسية وقبل ذلك كله الإخلاص والشجاعة في الدفاع عن القضايا العربية في المحافل الدولية.
في الختام.. إنَّ أنظار العرب من مسقط شرقًا إلى تطوان غربًا تتجه إلى وطن الشهداء الجزائر، عسى أن تنجح هذه المرة في ما فشل فيه الآخرون؛ لترتيب بيت العرب الأول من الداخل في هذه الظروف الصعبة التي تشهدها الأمة من تحديات غير مسبوقة.
د. محمد بن عوض المشيخي – أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري