بناء على الأوامر السامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وعملا بالمادة (38) من قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم السُّلطاني (7/2020) “يكون لمجلس عُمان دور انعقاد عادي لا يقل عن ثمانية أشهر في السنة، يعقد بدعوة من السُّلطان خلال شهر نوفمبر من كل عام”، تنطلق اليوم الأحد السادس من نوفمبر المجيد أعمال دور الانعقاد الرابع والأخير لمجلس عُمان (2019-2023) بغرفتيه، الدولة من الفترة السابعة، والشورى من الفترة التاسعة في ظل شواهد إنجاز اقتصادية مشرّفة، كان من بينها المكاسب الاقتصادية التي تحققت لسلطنة عُمان في ظل الأوضاع السياسية العالمية، وارتفاع أسعار النفط والتي نتج عنها قدرة السلطنة على سداد 3.5 مليار ريال عُماني ضمن استراتيجيتها في إدارة الدَّين العام، ونمو الاقتصاد العُماني بنسبة 4.4% ليتجاوز متوسط نمو اقتصادات العالم في عام 2022، وحصول سلطنة عُمان على تصنيف ائتماني جيد مع نظرة مستقبلية مستقرة خلال النصف الأول من عام 2022، والسياسات الاقتصادية التي اتجهت إليها وفق إجراءات ضبطية فاعلة للأداء المالي، ومبادرات تنموية وتحفيزية جادَّة في إطار الخطة المالية متوسطة المدى، والتحسُّن الذي شهدته المؤشرات الاقتصادية والمالية العامة للدولة؛ هذا الأمر يأتي في ظل توجُّهات اقتصادية واعدة باتجاه سلطنة عُمان نحو الحياد الصفري الكربوني، واعتماد جلالة السُّلطان المعظم عام 2050 موعدا لتحقيق الحياد الصفري الكربوني واعداد خطة وطنية له، واعتماد 49 مشروعا ومبادرة وطنية لتحقيق مستهدفاته، وإطلاق فرص استثمارية تنافسية لمشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والذي سيكون له حضوره في الخريطة الاقتصادية والاستثمارية والشراكات التجارية في المرحلة المقبلة، ومن جهة أخرى ما نتج عن حالة التباينات التي تعيشها الأقطاب السياسية الكبرى في العالم من تأثير على الحالة الاقتصادية العالمية، وارتفاع مستوى التضخم، وزيادة الأسعار وغلاء المعيشة وتحدِّيات الأمن الغذائي في ظل ظروف اقتصادية صعبة، باتت تلقي بظلالها على سوق العمل العُماني والخيارات التي يطرحها في سبيل احتواء الشباب العُماني الباحث عن عمل والزيادة المطردة في أعداد النشطين في هذا الملف، يضاف إليه ملف تسريح الشباب العُماني من القِطاع الخاص، وتداعياتها الأمنية والاجتماعية والأسرية والنفسية والفكرية والسلوكية على حياة المواطن.
وتبقى حالات القوة واستشراف المستقبل أو التحدِّيات وإنتاج الحلول والبدائل محطة لالتقاط الأنفاس لمجلس عُمان بغرفتيه ـ الدولة والشورى ـ بحيث يوظف خلالها أدوار الانعقاد نحو إيجاد البنى التشريعية والقانونية المنتجة القادرة على امتلاك الحلول والبدائل لمواجهة معطيات الواقع والمستوعبة للحالة العُمانية بكل تفاصيلها وظروفها وخصوصياتها، انطلاقا من الصلاحيات التشريعية الواردة في النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني (6/2020) والمادة (٧٢) منه التي تنص على: “يختص مجلس عُمان بإقرار أو تعديل مشروعات القوانين، ومناقشة خطط التنمية والميزانية العامة للدولة، وله اقتراح مشروعات القوانين، وذلك على النحو الذي يبينه القانون”، والتي فصلها قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (7/2020) في الاختصاصات المشتركة بين الدولة والشورى ممثلة في المواد (47،48،49،50،52) أو كذلك الاختصاصات التي يتفرد بها كل مجلس على حدة، مجلس الدولة في المادة (53)، والاختصاصات التي يختص بها مجلس الشورى في المادتين (54،55)، باعتبارها مساحة أمان أعطت المجلسين فرصا أكبر للتأمل والبحث والتفكير وقراءة الواقع واستشراف المستقبل وإعادة إنتاجه بروح تشريعية مرنة، وفكر تنفيذي يتكيف مع ظروف الواقع ومتغيراته ويتفاعل مع هواجس المجتمع وتفكيره، كما يستجيب مع الصورة المتجددة الأخرى التي يفكر بها المواطن اليوم، بما يلقيه ذلك على المجلسين من مسؤوليات متعاظمة وتوجُّهات تضع الوطن والمواطن في أولوية العمل وخريطة الطريق، للوصول إلى محددات تشريعية واضحة المعالم يشعر المواطن بحضورها وأهميتها في أحداث نقلة اقتصادية نوعية، وتفتح له آفاقا رحبة لاستشراف المستقبل، منطلقا لبناء مفهوم الإنتاجية في القوانين والتشريعات التي تخرج بها الجلسات الداخلية الخاصة بكل مجلس على حدة أو اللقاءات والجلسات المشتركة بين مجلسي الدولة والشورى وعبر لجان العمل المشتركة للوصول إلى توازنات تحفظ كفاءة مشروعات القوانين وحيويتها وربطها بمسوغات تنطلق من الواقع الاجتماعي والاقتصادي واحتياجات المواطنين وطموحاتهم ورؤية الحكومة عبر مؤسسات الدولة في تحقيق هذا التحوُّل الإيجابي المعزز للمزيد من المهنية التشريعية، وبما يوفر الأريحية والثقة لدى المواطن بأن ما يتم إنجازه والإفصاح عنه ودراسته ومراجعته وتطويره في مكتب كل مجلس على حدة من منتج الدورة التشريعية والبرلمانية يعبِّر عن تطلعات المواطنين وطموحاتهم ويتناغم مع مستجدات التطور الحاصل في عمل المؤسسات.
وبالتالي استشعار السلطة التنفيذية ومنظومة الجهاز الإداري للدولة بأن ما ينجزه مجلس عُمان بغرفتيه الدولة والشورى إنما يتناغم مع مستجدات التطور الحاصل في عمل مؤسسات الجهاز الإداري للدولة وحوكمة الأداء والإنتاجية المؤسسية وقياس الأداء ومفهوم الكفاءة الإنتاجية بها، ويستجيب لتطلعات المواطنين وطموحاتهم ويعبِّر بصدق عن جدية شراكة المواطن في صناعة القرار الوطني وتهيئة الرأي العام لمزيد من الوعي والمهنية والاحترافية في قراءة نتائج هذا العمل وما تخرج به قبب مجلس عُمان وجلساته العامة أو اجتماعات لجانه وجلسات مكاتب المجلسين من نتائج نوعية سيكون لها أثرها الإيجابي في تقديم بدائل وحلول ومقترحات عملية، وحزمة تشريعية متكاملة تستوعب احتياجات سلطنة عُمان من التشريعات والقوانين والإجراءات والقرارات التي تضمن كفاءة استخدام الأدوات واستنطاق المحتوى التشريعي وإعادة توجيهه، لمساعدة الحكومة على التعاطي مع الفرص الاقتصادية الجديدة، وكيفية الإسراع في توظيفها لتحقيق الاستدامة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه مساعدتها في التعاطي مع التحدِّيات المرتبطة بمنظومة التوظيف والتشغيل ومعالجة أزمة المسرحين من أعمالهم عبر سنِّ التشريعات والقوانين الضابطة لعمل الشركات، والقادرة على تحقيق العدالة الضبطية التي تحفظ حق المواطن والشركات على حد سواء، أو كذلك دور مجلس عُمان في ظل اللقاءات المشتركة التي تمَّت بين مكتبي المجلسين ومجلس الوزراء الموقر من حيث وضع عمليات التوعية والتثقيف ورفع درجة الوعي الاقتصادي والاجتماعي للمواطن كأحد أهم الأدوار التي يقوم بها المجلسان من خلال تعزيز المدخل التشريعي والضبطي الذي من شأنه أن يصنع للتشريع فرص احتواء أكبر في قدرته على استيعاب التحوُّلات المتسارعة في المجتمع، ووقوفه على مستهدفات رؤية عُمان 2040، وتحقيق معادلة القوة والتكامل بين الغايات التشريعية والمستهدفات الإنسانية والمجتمعية، وفي الوقت نفسه يتيح للمواطن قراءة التشريع من زوايا الثقة والاهتمام والاحترام وسيادة القانون، الأمر الذي سيكون له أثره في التزامه بمحددات التشريع وضوابطه والاحكام والعقوبات والجزاءات والإجراءات النافذة.
وما يعنيه ذلك من أهمية أن يقف مجلس عُمان بغرفتيه في ظل معطيات هذه المرحلة، على تفاصيل العمل الوطني ومستجداته القادمة ويقرأه بعين الفاحص المتأمل، والداعم المحفّز، والمشرع العادل، ويعمل في ظل تفعيل أدوات المتابعة المقررة له بشكل صريح في المادة (56) من قانون مجلس عُمان، أدوات المتابعة المقررة لمجلس الشورى، أو بشكل ضمني وعبر مقتضيات الصلاحيات الرقابية له في التعاطي مع الخطط التنموية والموازنة العامة للدولة وتقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وآلية العمل نحو تذليل الصعوبات التي قد تواجهها المؤسسات في إطار إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة من خلال دراسة القوانين والتشريعات الاقتصادية والاجتماعية ذات العلاقة بشكل يضمن تحقيق معادلة التوازن بين الرهان على المواطن، وكسب ثقة الحكومة في كفاءة التوجُّهات وقدرتها على صناعة التحوُّل المنشود وبين ضبط التوجُّهات العكسية التي قد تضر بمقتضيات العمل أو تسهم في تأخير الإنجاز الذي سيولّد شعورا عكسيا حول جدية هذه التوجُّهات ومصداقية التعامل معها والعمل بها.
أخيرا، تبقى الإشارة إلى أن الحراك الاقتصادي الذي تعيشه سلطنة عُمان في ظل الرؤية الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والصورة الإيجابية التي بدأت ملامحها واضحة للعيان اليوم بعد تجاوز سلطنة عُمان لتأثيرات جائحة كورونا (كوفيد 19) يستدعي حضورا أوسع وأنضج للتشريع المنتج القادر على رسم خطوط عريضة للعمل الوطني من جهة، وتحديد الآليات والكيفية والطريقة والأسلوب وأدوات المتابعة التي تتم في التعامل مع هذه التشريعات، بما يعزز من فرص التكامل بين السلطات الثلاث مع المحافظة على ثبات الإجراءات ومنع تداخل الصلاحيات، وبالتالي أن يكون دور الانعقاد الأخير لهاتين الفترتين حاسما في إنتاج مسار تشريعي يعبِّر عن هُويَّة المرحلة وظروفها ومستجداتها ويعكس تطلعاتها، مستفيدا مما يطرح عبر منصَّات التواصل الاجتماعية والحوارات الإعلامية من أفكار عملية
وملاحظات تشريعية وقانونية نوعية وإدماجها في هيكلة القانون وبنيته والتعديلات في بعض مواده أو لوائحه التنفيذية والتنظيمية، فيقف على ما تم رصده من نتائج وما تم تحقيقه من مقترحات اللجان ومستخلصات البيانات الوزارية والإدارية المقترحة في عمل اللجان بما يسهم في توفير الضمانات التشريعية والقانونية التي تحفظ ديمومة الأثر الإيجابي لهذه التوجُّهات، وفق مسار تواصلي يستوعب حدث اللحظة ويحاور المواطن فيه، ويفتح باب النقاش ووجهات النظر حوله مع شريحة واسعة من ذوي الاختصاص والشباب في جلساته العامة واستضافات لجانه الدائمة، امتثالا للنهج الذي اختطه مولانا جلالة السُّلطان المعظم بقوله: “إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني”.
د. رجب بن علي العويسي