للمقاصد عدد من المصطلحات للتعبير عنها، من المفيد القول بأن نسمّيها “مرادفات”، تعمل عملها كأنها هي، والتي هي من أصل التشريعالإسلامي في استنباط الأحكام، ولأنها العلم الأول والمستند إلى المصدرين الرئيسيين القرآن الكريم والسنة النبوية، فكان النص القرآني في أجزائه الثلاثين شاملاً للحياة الدينا وللآخرة.
من هذه المصطلحات، الحكمة، والعلة والغرض التي أشرنا إليها في المقال السابق، إذ أن المقاصد للشريعة الإسلامية، درء المفاسد والتيهي الضروريات، وجلب المصالح والتي هي الحاجيات، والجري على مكارم الأخلاق والتي هي التحسينات، هذه المصالح هدى فيها القرآن الكريم للطريق العادل والقويم، فالضروريات تأتي على:
أولاً، الدين الإسلامي الذي جاء القرآن الكريم بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها، قال تعالى: (ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألبابلعلكم تتقون)، وقوله تعالى: (ويكون الدين كله لله)، والحديث النبوي الشريف: (أمرت أن أقاتل الناس أن يشهدوا لا إله إلا الله محمد رسولالله…) فهذه بعض الأمثلة التي تأمر بالحفاظ على الدين الإسلامي الحنيف.
ثانياً، النفس التي جاء القرآن الكريم بالمحافظة عليها أيضاً بأقوم الطرق وأعدلها، كما في قوله تعالى: (كتب عليكم القصاص في القتلى).
ثالثاً، العقل، قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم “(كل مسكرٍ حرام)، للمحافظة على العقل، أوجب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حدالشارب درءاً للمفسدة عن العقل.
رابعاً، النسب، ويكون ذلك من خلال تحريم الزنى وإقامة الحد الرادع، وعدّة المرأة كيلا تقع المحرمات، قال تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كانفاحشةً وساء سبيلا).
خامساً، العِرض، وتفسير ذلك بنهي المسلم التحدث بسوء عن أخيه المسلم، بما يؤذيه، وغيبة المسلم، قال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم).
سادساً، المال، كان له أيضاً طريقه في الخطاب القرآني مثل منع أخذه بطرق غير شرعية، وأوجب على السارق حد السرقة، وذلك حفاظاً على المال ودرء المفسدة عنه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم).
لم يقتصر دور المقاصد التنبيه عند هذا الحد فقط، أيضاً ورد مقصد التيسير ورفع الحرج في مواضع كثيرة، قال تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج)، وقوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخُليق الإنسان ضعيفا)، يأتي ذلك مثلاً في قصر الصلاة أثناء السفر، و الإفطار في شهر رمضان للمسافر، وكذلك طريقة صلاة العاجز، وغير ذلك من أنواع التخفيف والتيسير التي هي من أساسيات الفقه الإسلامي وشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإسلامية.
وأما المصالح، التي جاء القرآن الكريم بجلبها بأقوم الطرق وأعدلها، وفتح أبواباً لها في جميع الميادين، قال تعالى في محكم كتابه العزيز:(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)، وهذا الأمر هو عبارة عن تبادل المصالح في المجتمعات أو ما نسميه المقاصد في مجال المعاملات، كالبيع والشراء وما شابه ذلك.
وهناك نقطة مهمة جداً، وهي عدم الوقوف عند ظواهر الألفاظ والتنبه للمعاني، فإن ذكر المفسر حكمه ولم يصل للمتلقي فهذا يعني أن هناك قصور في التفسير، وعدم دقة، إما لأنه اقتصر على معطيات اللغة أو لأنه تدخل بشكل كبير في التأويل، فمن المعروف أن اللغة العربية واسعةالمعاني وقد تتشابه حروف كلمات كثيرة لكن المعنى يكون مختلف كلياً في الفهم أو القصد، فمثلاً نهى الله تبارك وتعالى والنبي المصطفىصلى الله عليه وآله وسلم عن إصدار حكم في حالة الغضب، كما في قوله: (لا يقضينّ حكمٌ بين اثنين وهو غضبان)، لأن الغضب بطبيعة الحال يشوش الفكر فيمنع استيفاء النظر في الحكم.
من هنا، عن مقاصد الشريعة الإسلامية قيمتها كبيرة جداً فهي تجمع بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأصول الفقه ومقاصده، وفيها أسرار اللغة العربية من نحو وبلاغة، ما يجعلنا نتمسك بشريعتنا الإسلامية وديننا الحنيف والمقاصد العليا في الإسلام.
عبدالعزيز بن بدر القطان