باقية في مدينة السلام بغداد ما بقيت!
كان فريداً، نظمه رائق ونثره فائق، يسهب ويعجب، ويطرب، ويطنب، حسن السيرة وحاملاً للواء الوعظ، كان بحراً في التفسير، علامة في السير والتاريخ، حسن الحديث، منكبّاً على الجمع والتصنيف، له “زاد المسير في علم التفسير” “نواسخ القرآن” وجامع المسانيد”، “المنتظم في التاريخ”، “صفوة الصفوة” و “صيد الخاطر” و”مناقب بكر” و”مناقب علي” ومناقب عمر”، إنه الشيخ الإمام العلامة، الحافظ المفسر، شيخ الإسلام مفخر العراق، جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد.
إبن الجوزي، الواعظ، صاحب التصانيف، أبو الفرج بن الجوزي، تولد 510 للهجرة، وتوفي 597 للهجرة، ولد وتوفي في بغداد السلام في العراق، ومرقده في سوق السنك، بعد أن تم نقله أيام السلطان إبراهيم خشيةً من الضياع، حيث كان مدفوناً بالقرب من قبر أحمد بن حنبل في باب حرب، في أرض فارغة تابعة للوقف وبني وشيد عليهِ صف من الطابوق ووضع حوله سياج من حديد لمنع العبث بهِ في داخل مرآب لتأجير وقوف السيارات في منطقة السنك في الأيام الحالية.
لقد زرت العراق، فكيف أكون عربيّاً وأتغنى بحضارة أمتي ولا أشرب من نيلها وفراتها من دجلة وشط العرب، كيف لا أرتوي بزاد العلم وعظمة العلماء والتراث الحضاري الذي كان هاجسي إلى هذه اللحظة.
لكن لا دخان بلا نار، ولا غبار دون عبور الخيل، أن تخرج الأخبار وتتحدث عن إزالة البناء على قبر العالِم ابن الجوزي لتوسعة مساحة من أرض الوقف التي أصبحت موقف سيارات! هذا العالم الذي لديه أكثر من 300 مصنف بالطب والتاريخ والفقه والحديث والتفسير واللغة والسيرة، وتم رفع الشاهد أيضا من أجل أن تركن مكانه سيارة ولأجل ماذا 3000 دينار عراقي أمحو ذكر عالم من علماء أمتنا!
بدوري ومن موقعي ومن مسؤوليتي، أتوجه إلى المعنيين والمسؤولين من رأس هرم العراق إلى أصغر مسؤول فيها، أن يتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على هذا التراث، إن كان هذا التراث لا قيمة لديه لدى البعض فهو قيّم وثمين بالنسبة لي ولكل الأمة، وأطلب منكم بكل وضوح وطبقاً للقوانين والدستور العراقي، إحالة هذا الأمر وإستصدار مرسوم خاص يجرم كل من يعبث بإرث الأمة العربية، وتخصيص مادة ثابتة إن كانت غير موجودة، فهذا يستوجب العقاب.
كما وأشد على أيدي المعنيين الاهتمام بتلك المراقد والأوابد والإرث الحضاري، كالإهتمام بأماكن أخرى، لقد ترك ابن الجوزي إرثاً ضخماً، ولا يزال مرقد الصحابي أنس بن مالك مهملاً منذ العام 2006، ألم يحن الوقت للإهتمام بكل ذلك؟
لابد من الصحوة والبدء بالتنفيذ، فوضع الخطط دون تطبيق كسفينة مبحرة دون شراع، هذا الخبر إن لم يعالج هو صدمة وأنا العبد لله الذي ينادي بتطوير هذه الأمة ومعي كثر، فلنتحد ولنحاول الحفاظ على تراثنا فبدونه نحن لا شيء، لأن هؤلاء الأتقياء هم بركتنا وهم أصلنا الطيب، والعراق كانت ولا تزال وستبقى أرض الرافدين أرض السلام، وأرض العلماء.
“إبن الجوزي” هذا العالم الجليل، الذي هو بمثابة جامعة متنقلة، “وقبره ضمن موقف سيارات”، فمؤلفاته شاخصة على رفوف المكتبات وعلى الأرصفة في شارع المتنبي في مدينة السلام بغداد، نسبةً لأبو الطيب المتنبي، والمفارقة العجيبة، ترى حضارتنا في متاحف العالم والعناية بها وكأنها ملك لهم، لكن الأهم إهتمام الجامعات العالمية بموروثنا وعلمائنا من السوربون إلى يال وهارفرد وغيرهم ويدرسون علوم هذا الرجل وأقرانه، بينما نحن نبخّس حقهم بتصرفات مادية، فلو إستمثر مرقده من ناحية إقتصادية عبر مكتبة فقط تضم كتبه الضخمة الكثيرة، ووضع أسعار رمزية للدخول ولإستعارة الكتب أو القراءة في المكتبة المرفقة بجانب الضريح، أين الضرر عندما ندمج العلم بالعمل!!!
وهذه طائفة صغيرة من أسماء كتب التي صنفها هذا العالم الجليل، “التذكرة في الوعظ”، “الوفاء بأحوال المصطفى”، “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم”، “تاريخ بين المقدس”، “كتاب المدهش في الوعظ”، “بستان الواعظين ورياض السامعين” والكثير غيرهم.
أعزائي أنفاس هؤلاء العظماء أتعطر بها وأنهل من كتبهم التراثية من نهج البلاغة الخطب المنسوبة الي الامام علي بن ابي طالب والتي جمعها الشريف الرضي. في زمن الدولة العباسية إلى تراث سيد التابعين الامام حسن البصري والامام محمد بن سيرين والحافظ الخطيب البغدادي وروحانيات الجنيد البغدادي ومعروف الكرخي والامام موسى الكاظم والامام الجواد
أثني الركب وأسمعهم وأتخيل نفسي تلميذاً أتتلمذ في الإبحار بموروثهم ،،،،،،،،
فمن الظلم ظلمهم أحياء وأموات، أنصفهم ودافع عنهم، فما تملكه اليوم وتفقده بيديك ستبكيه دماً في الغد.
عبد العزيز بدر القطان