قبل أكثر من عام وتحديداً في مايو 2022 وأثناء اشتداد المعارك بين فرقاء الصراع في اليمن قمت بكتابة مقال تحت عنوان دبلوماسية الحياد العُمانية والمقال كان عبارة عن دعوة ومناشدة للقيادة في سلطنة عُمان البلد الجار الشقيق لليمن الذي كان ولايزال عبر مراحل التاريخ سنداً وعضداً لليمن عُمان واليمن وفق المشترك الأجتماعي والموروث التاريخي تعد بلدين لشعب واحد حكمته وحدة الدم والمصير والديموغرافيا الواحدة حيث يسجل التاريخ خروج القبائل العُمانية بقيادة مالك بن فهم من مأرب في هجرة العرب التاريخية الكبرى التي أعقبت انهيار سدها العظيم ، كان المقال دعوة لحث الدولة الجار الشقيقة الحريصة على أمن اليمن وإستقراره بالإستمرار في مواصلة جهودها ومساعيها الحميدة لوقف الحرب في اليمن المستمرة منذ ثمان سنوات، ولكون التاريخ يسجل بين صفحاته أن عُمان ومنذ فجر التاريخ تمثل حالة استجابة لحالة نداء فرضتها الملمات التي المتوالية التي عاشتها وواجهتها اليمن والعكس هو الصحيح ، من هذا المنطلق كان من الطبيعي وحسب منطق التاريخ والجغرافيا ووحدة الديموغرافيا أن لا يتخلى الشقيق عن شقيقه ، يقيني في ذلك هو ما دفعني لتوجيه النداء وهو ذاته الذي أيقن أن الدعوة سيقابلها استجابة وفق هذه المعادلة الإنسانية المحكومة بعوامل الجوار وأواصرالقربى ، النظرة الثاقبة والبعيدة المدى لدى صانع القرار العُماني هي التي جعلته ينظر للمأساة اليمنية بعمق وأنها جزء من أزمة شاملة عامة يمر بها النظام العربي الرسمي ولقناعة صانع القرار العُماني أنه يواجه أزمة “مرّكبة ” بفعل تعقيدات المشهد العربي وتناقضاته فقد كان عليه أن يتصرف على هذا الأساس باعتبار أن مشاكل وأزمات المنطقة متداخلة ومتشابكة فيما بينها فكان عليه أن يبدأ مهمته الشاقة في تقريب وجهات النظربين القوتين الرئيسية المتنافسة على النفوذ في المنطقة ، السعودية وإيران الدولتان اللتان تخوضان أكثر من حرب بالوكالة في عدة دول عربية ، وخلال أشهر طويلة كان لحياد الدبلوماسية العُمانية الدور المحوري الهام الذي يتماهى مع التحديات الجيو ستراتيجية التي تواجه المنطقة وهو ماجعل الشقيق العُماني يعمل على تهيئة المناخ المناسب أمام نجاح الوساطة الصينية الأخيرة بين البلدين ، قيادة السلطان هيثم بن طارق تنطلق من ذات الأسس والرؤى التي أرساها السلطان قابوس بن سعيد رحمة الله عليه بأن تجعل من حياد عُمان قوة ناعمة داعمة لشعوب المنطقة ، وبعيداً عن ضوضاء الإعلام وحالات التمظّهر الزائفة اشتغلت الدبلوماسية العُمانية المعروفة بحياديتها بكل احترافيةلتفكيك الأزمات السياسية المُركبة ونزع الألغام التي تعترض طريقها لتحقيق السلام في البدء كان الدور العُماني حاضراً بقوة في المفاوضات بين الرياض وطهران التي استضافتها بغداد طوال أكثر من عامين فكان الدور العُماني هو الدور الأستراتيجي الأهم الذي مهّد الطريق لعودة العلاقات بين البلدين والتي سيتم من خلالها إعادة البعثات الدبلوماسية بين الرياض وطهران ، ومن الطبيعي والمسلمات أن تطبيع العلاقات بين البلدين سينعكس بصورة ايجابية على المشهد السياسي في كل دول المنطقة من اليمن وحتى لبنان مروراً بسوريا ، في معظم الأحداث التاريخية التي عصفت بالمنطقة لعبت عُمان دور المنقذ الحرب العراقية الإيرانية حيث كانت عُمان وراء وقف الحرب وأصدار قرار مجلس الأمن الدولي 598 الصادر في 1988 والذي أوقف الحرب في نفس العام بوساطة عُمانية ناجحة ، وهي ذات الدبلوماسية التي نجحت في إبرام الإتفاقية بين إيران والولايات المتحدة في الملف النووي، في المسألة اليمنية اختارت عُمان منذ اليوم الأول للحرب في اليمن الحياد والنأي بالنفس عن التحالف وعن كافة أطراف الصراع في اليمن هذا الدور مكن لعُمان لعب دور حيوي هام ومحوري بدأت مؤشراته تلوح في الأفق عبر الهدنة التي يراد لها أن تتحول إلى مشروع سلام دائم له خارطة طريق سياسية تنتهي بعودة السلام والأمن والأستقرار لكافة ربوع اليمن ، الدور العُماني القادم هو دور تحديات السلام الذي سيكون فيه للسلطنة اليد الطولى في تعزيز السلام القادم وفي هذا الصدد أرجو أن تتوج الجهود الخيرة لسلطنة عُمان بجمع مختلف قوى الصرع في اليمن في مؤتمر يمني عام للسلام يعقد على أرض عُمان الخير برعاية جلالة السلطان هيثم بن طارق في مسقط أو صلاله مؤتمرً يكرس ويعزز الجهود الطيبة ويرسم خارطة طريق للمستقبل تصدرعنه وثيقة تاريخية تكون مرجعًا لليمنيين يكون المقدمة لبناء يمن حديث مزدهر ويخلق حالة من حالات الجوار الآمن لدول المنطقة وثقتنا في القبول والاستجابة من القيادة العُمانية كبيرة وليس لها حدود .
علي عبدربه القاضي/ رئيس كتلة المستقلين بمجلس النواب