المحاماة مهنة مستقلة عالميًا، ومنتشرة في كل دول العالم، ولا توجد دولة في كوكب الأرض إلا وبها مهنة المحاماة، وذلك لأهميتها البالغة لمشاركتها الأساسية للسلطة القضائية في تحقيق العدالة.
والمحاماة فن رفيع المقام، وسيظل المحامون يتقدمون الصفوف في المجتمع لمشاركتهم الفعالة المؤثرة في إظهار الحق وإنصاف المظلوم وإرجاع الحقوق لأصحابها وفق النظام والقانون. والمحامون أقرب الناس وأكثرهم إدراكًا لآمال وآلام أفراد المجتمع، ويشاركون الناس أحزانهم وآلامهم في زمنٍ بعض أهله لا يرحمون، ولا يصدقون ويكذبون، ويرتشون ويحتالون، وينصبون ويسرقون، ويعتدون ويضرون النَّاس ويظلمون؛ لذلك فالمحامون غايتهم إيقاف مثل هذه التصرفات الخاطئة المحرمة شرعًا والممنوعة والمُعاقب عليها قانونًا.
ويتحلى المحامون بالأخلاق الحميدة وغايتهم الدفاع عن المظلوم وصاحب الحق ومواجهة الظلم والظالمين، فشمس المحاماة مضيئة لا تغيب، وهي قديمة قدم الوجود وتواجه الشر المتربص بالخير منذ بداية البشرية. ودراسة القانون لها أهمية كبيرة في زماننا الحالي، أولًا: من حيث الحصيلة التي يحصدها دارس القانون من الثقافة والمعرفة القانونية التي تساعده على ممارسة حياته وأعماله وتصرفاته تكون سليمة منضبطة وباتباع الإجراءات الصحيحة.
وثانيًا: تخرج للمجتمع جيلًا متعلمًا يمتلك مهنة شريفة نزيهة لها تأثير على إرساء سيادة القانون وضمانة للحق وسياجًا للحرية.
وثالثًا: تخرج للدولة أساتذة لكليات القانون يكملون رسالة أساتذتهم الكرام في تعليم طلبة القانون المساقات المقررة عليهم أكاديميًا وفق علم ومعرفة وثقافة وقيم ومبادئ منهجية لها أسس راسخة تفيد الوطن والمواطن.
وإنني في هذا المقام أناشد أصحاب القرار في بلادنا الحبيبة عُمان، وخاصة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار وكل كليات القانون، تأهيل خريجي القانون الأوائل المميزين للعمل كأساتذة مساعدين ثم أساتذة بكليات القانون المنتشرة في كل أنحاء بلادنا العزيزة عمان. كما أرجو من كليات القانون أن لا يقتصر دورها على التعليم الأكاديمي فقط، بل عليها المشاركة الفعالة في المجتمع، ونشر الثقافة والمعرفة القانونية، وذلك بإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي وعقد ورش تدريبية قانونية لخدمة المجتمع.
ويتطلب الأمر من أصحاب مكاتب المحاماة إعطاء الفرصة لخريجي القانون الراغبين بممارسة مهنة المحاماة للعمل بمكاتبهم كمحامين متدربين، ومساندتهم في بداية طريقهم وتوجيههم ومُتابعتهم، وتكليفهم بمهام في المكتب من حيث تنظيم العمل واستقبال المراجعين وكيفية إدارة المكتب والمشاركة بكتابة صحائف الدعاوى القضائية وحضور الجلسات في المحاكم وغيرها من أعمال المحاماة، وذلك حتى يطمئن المحامي المتدرب ويثق بقدراته ويحب مهنته ويتفانى ويخلص لها ويكون له دورٌ في المستقبل لاستمرار مهنة المحاماة بالشكل المنشود وتحقيق أهدافها بالصورة المرجوة.
وأرجو أيضًا من المحامين أصحاب الأعمال الأخرى، الاختيار بين مهنة المحاماة أو العمل الآخر؛ لأن مهنة المحاماة تحتاج إلى تفرغ وذهن صافٍ، أما الذين يجمعون بين مهنة المحاماة والأعمال التجارية والصناعية وغيرها من الأعمال فيكونون غير متفرغين وذهنهم مشغولا وغير صافٍ، والأمر يتطلب منهم الاختيار بين أحدهما؛ لأن المبدأ العام في هذا الأمر يقول: “طلب الكل فوت الكل”، وعندئذ الخسارة والفشل ربما تكون أقرب إليهم من النجاح لو استمروا في الجمع بين مهنة المحاماة والأعمال التجارية وغيرها من الأعمال.
وهذا ما نراه أمامنا ظاهرًا في أرض الواقع، وأعتقد أن العمل الوحيد الذي لا يتعارض مع مهنة المحاماة هو الكتابة والتأليف في القانون أو في أي فرع من فروع العلوم المختلفة،لأن المحامين يعيشون الوقائع والأحداث مع الناس ومشاكلهم الاجتماعية والتجارية والاقتصادية ويعايشون همومهم بأشكالها وأنواعها.
ولذلك أصبح المحامون أقدر الناس على التعبير عما يحس به الناس وما يشعرون به؛ لأنهم أولًا: لديهم المقدرة على التعبير، وثانيًا: لأنهم عاشوا في أعماق الحياة ومع الناس ومشاكلهم ومع أرواحهم ونفوسهم ومع آمالهم وآلامهم وخالطوا الصالحين والطالحين، فكان تعبيرهم يعكس الأحداث والوقائع بمصداقية ويُلامس مشاعر الناس بشفافية.
حمد الحضرمي – محامٍ ومستشار قانوني