لو صدقت الأنباء التي نقلتها الصحافة الفرنسية على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو في طريق عودته من الصين يوم السبت الماضي (2023/4/8)، ستكون زيارته ولقاءاته المكثفة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أحدثت انقلاباً في أولويات ماكرون السياسية.
فقد ذهب ماكرون إلى الصين في زيارة دولة امتدت لثلاثة أيام، بصحبة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، وهو عازم على تحقيق هدفين، الأول: العمل على جعل الصين بعيدة عن التورط في الحرب الأوكرانية إلى جانب روسيا، والسعي في ذات الوقت لدفع الصين لتكون قاطرة السعي من أجل تحقيق السلام في أوكرانيا وإنهاء الحرب المشتعلة هناك.
أما الهدف الثاني فهو أن تكون فرنسا صوتاً لأوروبا في هذه الزيارة وليس ناطقاً فقط باسم فرنسا. من هنا تأتي أهمية ضم رئيسة المفوضية الأوروبية في هذه الزيارة، أي إعطاء معنى بأن أوروبا هي التي تتحدث مع الصين، ما يعني أن العلاقات الأوروبية – الصينية كانت تمثل الركن الثاني في الزيارة، إلى جانب خصوصية العلاقات الفرنسية – الصينية. ما يعنى أن ملفات أخرى كانت مطروحة على طاولة المفاوضات، من أبرزها الملف الكوري الشمالي، وملفات اقتصادية وتجارية وثقافية وعلمية وبيئية، من هنا جاءت تشكيلة الوفد الكبير الرسمي والاقتصادي والثقافي والمدني معبرة عن طموحات فرنسا في هذه الزيارة، ووفق ماكرون فإن فرنسا والاتحاد الأوروبي يجب «ألا ينفصلا» عن الصين على الصعيد الاقتصادي، وألا تنفصل الصين عن الانخراط في علاقات موسعة مع أوروبا.
قبل أن يبدأ ماكرون زيارته، تشاور هاتفياً مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وجاء في بيان مقتضب، وزعه قصر الإليزيه، أن ماكرون وبايدن «تناولا رغبتهما المشتركة في دفع الصين للانخراط من أجل تسريع وضع حد للحرب في أوكرانيا وبناء سلام دائم في المنطقة»، وبالطبع أجرى ماكرون مشاورات مشابهة مع قادة أوروبيين، منهم بالطبع الرئيس الأوكراني، وهذا يعنى أن ماكرون توجه إلى الصين سعياً لعزل الصين عن روسيا فيما يخص الحرب الأوكرانية، وجذب الصين في ذات الوقت لتكون طرفاً محايداً مفاوضاً من أجل إيجاد حلول دبلوماسية لإنهاء هذه الحرب.
من هنا كان حرص ماكرون على أن يعترف قبل وصوله إلى بكين بأن الصين باتت «طرفاً لا يمكن تجاوزه» في التفاعلات الدولية، لكنه ذهب أيضاً وهو محمل بعدد آخر من الحقائق التي أضحت تمثل معالم لحالة النظام العالمي في الوقت الراهن، منها مثلاً، أن أوروبا ليس بمقدورها مواجهة أزمة من نوع الحرب الأوكرانية وبحجمها من دون الاتكاء على حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعموده الفقري الولايات المتحدة. إلى جانب هذه الحقيقة، توجد حقيقة أخرى وهي أن أوروبا لم تعد تستطيع تحمل استمرار دفع فواتير الحرب الأوكرانية، وهكذا جاءت القناعة الفرنسية، بحتمية دخول الصين كطرف دولي ثالث لإنهاء الحرب.
رغم ذلك، من المهم أن نتساءل: هل أوروبا كلها موحدة حول القراءة الفرنسية للأزمة، وهي القراءة التي جعلت الرئيس الفرنسي يتخذ موقفاً مميزاً من مبادرة السلام الصينية الخاصة بالحرب الأوكرانية عن مواقف باقي الشركاء الأوروبيين ناهيك عن الموقف الأمريكي؟
هكذا جاءت زيارة ماكرون للصين، وهكذا كان إلحاحه الشديد على إقناع الرئيس الصيني بضرورة البحث عن طريق لاستئناف المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.
الإنجاز الأهم هو ما ورد على لسان ماكرون في طائرة الرئاسة الفرنسية في طريق العودة إلى باريس من بكين ونقلته صحيفة «بوليتيكو» وعدد من الصحف الفرنسية.
فقد نقلت الصحيفة عن ماكرون قوله أنه «يتوجب على أوروبا أن تقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكي خارج الحدود الإقليمية»، وأنه «يتعين على أوروبا تجنب الانجرار إلى مواجهة بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان»، مؤكداً نظريته حول «الاستقلال الاستراتيجي» لأوروبا، التي من المفترض أن تقودها فرنسا لتصبح «قوة عظمى ثالثة» بحسب تعبيره. ذهب ماكرون إلى بكين ليصطاد الرئيس الصيني في شباكه، وعاد إلى باريس ليخوض مواجهة عاتية داخل أوروبا حول المستقبل الأوروبي وليس فقط المستقبل الأوكراني.
د. محمد السعيد إدريس