أن يذكرك صديق مقرب ويرسل لك هدية ثمينة في هذه الأيام المباركة، حتماً ستثمن أنك ابن هذه البيئة وهذه البقعة الجغرافية المباركة، امتداد لدمشق، وبغداد السلام، قدس العرب، وقيروان الإسلام، مكة المباركة وسلطنة عمان، من نجدٍ إلى يمنٍ فمصر وتطوان، نعم أنا ابن هذه الأرض العربية المباركة، دوحة في أرضٍ لا ننعم فيها بأي سلام.
صديقي أحد علماء مدينة الزبير في جنوب العراق، الشيخ حامد الراشد، أحب أن يشاركني فرحاً أعادني إلى روابطنا الأصيلة عاداتنا الجميلة، إلى لحمةٍ وطنية بتنا نفتقد إليها، وتآخٍ ربما إن لم يكن قليلاً، لم يعد موجوداً، لكن هذا من شيم العراق أولا عمنا في نجد والحجاز، أقاربنا وأهلنا، ليس بغريبٍ عنهم الكرم والجود والأصالة والإيثار، فعن ماذا وماذا أحدثكم، عن العراق الجميل، عراق الجود والكرم، الشجاعة والعنفوان، رغم ما مر به لا يزال يحافظ على عاداته وقيمة العالية، وما غريب أيضاً بذلك عن مدينة الزبير، وما أدراك ما الزبير التي تضم النسب والأصل الكريم، القبائل العربية الأصيلة، والتي تعود في أصولها إلى شبه الجزيرة العربية، ولذلك ركزت على أننا أولاد عمومة.
لكن قبل الخوض في تفاصيل الهدية القيّمة التي أرسلها لي صديقي الشيخ حامد الراشد من علماء الزبير الكبار، لا بد أن أعرفكم على بعضٍ من تاريخ هذه المدينة الجميلة، ذات الحضارة والأصالة التاريخية العريقة، حيث تعتبر مدينة الزبير من أقدم مدن البصرة التي أسسها العتبة بن غزوان (أحد صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنها من المراكز التجارية المهمة أيام الفتح الإسلامي وتحديداً في عهد الخليفة الفاروق، عمر بن الخطاب، كما كانت طريق مرور القوافل التجارية من خلالها السبب الذي ساهم في جعل الزبير يسكنها كثير من العرب بالقرب من مرقد الزبير بن عوام الذي دفن في وادي السبع ( وادي الوحوش) والذي سميت المدينة باسمه، حيث تضم المدينة في أحيائها الأبنية والبيوت القديمة التي يعود تاريخها إلى أزمنة ربما نسيها التاريخ، لكن دورنا الإضاءة عليها، والتذكير أن هناك مدينة في هذه الأرض المعمورة اسمها الزبير، لها ما لها من أصالة وثقافة وتراث وحضارة حالها حال بقية المدن العراقية الأصيلة والتي كانت يوماً مركز الحضارة الإسلامية العريقة.
وكما نعلم، يعتبر الفن الإسلامي من أغنى وأخصب ظواهر الحضارات الإنسانية، والفن الإسلامي يشير إلى الأعمال الفنية التي صنعها فنانون مسلمون مشهورون في العمارة والنحت والفخار والتصوير خلال الفترة الزمنية الممتدة من 622 م إلى القرن التاسع عشر ميلادي، وضمن المساحة الجغرافية الممتدة من الصين شرقاً إلى إسبانيا غرباً، يتميز الفن الإسلامي عن الفنون الأخرى بالتزامه بالتعاليم الإسلامية، أو بالأحرى بتعاليم الدين الإسلامي الصحيح الذي يقوم على التوحيد، مع ما ورد في القرآن والسنة الشريفة، وبذلك يمثل الفن الإسلامي عالماً ثرياً، وهو الأكثر انتشاراً، وأطول عمراً، فن متنوع وفير بوحدته المميزة، في رتبة تتجاوز كل هذه الفنون، والأدلة الحضارية على ذلك في مدينة الزبير الواقعة غرب مدينة البصرة.
هذه المدينة هي حاضر عراقي لا يزال يتمسك بماضيه، وكما ذكرت يسكنها عرب أقحاح من نجد والحجاز واليمن، والكثير من سكان المملكة العربية السعودية والكويت أصولهم من الزبير، وبالعكس، ولا تزال مدينة الزبير القديمة ومناطقها تحتفظ بأسماء من شيدوها وسكنوها عبر مئات السنين، إذ تشتهر الزبير بمناطقها التي سميت بأسماء العائلات النجدية، ومن تلك المناطق، الرشيدية نسبة إلى بيت الراشد، والزهيرية نسبة إلى بيت الزهيري، والسلمانية نسبة إلى سلمان الإبراهيم، بالإضافة إلى قائمة طويلة تبدأُ ولا تنتهي من البيوت الكبيرة والعريقة، التيمازال طينها يعاند الزمن، هذه العائلات صنعت تاريخ الزبير وكونت شخصيتها المستقلة.
وأما إن حدثتكم عن عراقة مساجد الزبير فهي كثيرة، منها مسجد الدليجان، المنتفك، القرطاس، الكوفة، دروازة الحرم، ومرقد ومسجد طلحةبن عبيد الله وغيرها الكثير، كما أخرجت مدينة الزبير العشرات من العلماء والدعاة والمثقفين والشعراء على مر العصور، ومنهم سطع نجم الفقيه الحسن البصري ومفسر الأحلام الشهير أبو بكر محمد بن سيرين والسيدة رابعة العدوية وإمام الحديث (أبو بسطام شعبة بنالحجاج بن الورد) والفقيه مالك بن دينار والشاعرين الفرزدق وخالد بن صفوان، وطالب النقيب أول وزير للداخلية في تأريخ العراق الحديث، فضلاً عن شعراء حوتهم المدينة مثل عبد الغفار الأخرس وبدر شاكر السياب و محمود البريكان.
وهذا غيضٌ بسيط من فيضٍ كثير، ولمحة مختصرة توضح حبي لهذه الأرض واتصالي بها، لأنها دائماً ما تذكرني بأمتنا الإسلامية التي قرأت عنها كثيراً وجلت في أزقتها أشتم عبق التراث الإسلامي العريق، ومن يعرف أهل الزبير حق المعرفة يعرف كيف يحافظون على هذه الأصالة، وبالعودة إلى هدية صديقي الشيخ حامد الراشد، الذي أرسل لي مقطع فيديو أطربني وأسعدني كثيراً كيف يحيون ليلة القدر، وكيف يتعاون الجميع على تقديم طعام السحور للمصليين، في مشهد بتنا نفتقده رغم وجوده، لكن نقول ربما هي الفاقة والظروف الاقتصادية لذلك نأمل أن يكون كذلك وألا يكون نسيان لعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، وهذا ليس بغريب على أهلنا في الزبير وكيف يحيون الليالي الرمضانية ببساطتهم المعهودة وطيبهم وكرمهم المعهود، هذا الفيديو لخّص حضارة الزبير وكيف كبار المدينة يحثون على الإيثار ويقدمون الجوائز يقيمون المسابقات في جو رمضاني روحاني كل مسلم يفتقده اليوم.
وهنا من اللطيف القول، إن هذه المدينة تأسرني وأعشقها كثيراً، فلطالما مشيت في أزقتها وشوارعها وكل بيت فيها خاصة البيوت القديمة والمساجد والحجارة، تشعر وكأنه يحكي حكاية زمانٍ أفل، فكلما كنت في العراق لمدينة الزبير حصة من جولتي التي أحافظ عليها في كلمرة، وأزور مرقد الإمام الحسن البصري ومالك ابن دينار ورابعة العدوية
وفقيه الجنوب
الشهيد الشيخ يوسف يعقوب الحسان.
لذلك في رمضان وكل الشهور، لنعد إلى أصالتنا ولنعد إلى تاريخنا العريق وعاداتنا الأصيلة، فكل الشكر لصديقي العزيز، الشيخ حامدالراشد
ابن مدينة الزبير الشامخة على هذه الهدية القيّمة التي أسعدتني كثيراً، وعادت بي إلى ذكريات ليتها تعود يوميا .
عبدالعزيز بن بدر القطان