إن معرفة محاسن القرآن الكريم هي معرفة فن وجمال كلمة لفظ الجلالة “الله” تبارك وتعالى، ولها تأثير عميق على الناس، حيث يعتبر عدد من علماء القرآن أن البلاغة والكمال في الكلام القرآني هو العامل الرئيسي في جذب القرآن الكريم.
إن متعة القراءة والاستماع إلى آيات القرآن الكريم تشير إلى أن جماليات القرآن مفهومة وفي نفس الوقت غير محدودة.
من بين الذين طرحوا مناقشة حول جماليات القرآن، يجب ذكر إبراهيم بن سيار بن هانئ النظّام البصري “777 م”، الكاتب البارز في عصره، حيث تطرق إلى نظرية “إعجاز القرآن” ويظهر أن آيات هذا الكتاب الكريم لها بنية إعجازية غير مسبوقة، مما يضفي عليها جمالاً خاصاً.
بالتالي، إن بلاغة القرآن هي ضمان حداثة أسلوبه وجاذبيته، فقد اكتسب النقاش حول الفن الأدبي الفريد وجماليات القرآن الكريم نطاقاً وتنوعاً غير مسبوقين.
القرآن يهدي الإنسان إلى الكمال، عندما تلا نبي الإسلام العزيز الآيات القرآنية على المكيين، عرف الجميع أنه كان يتحدث عن رسالة روحية وسماوية تختلف اختلافاً جوهرياً عن الخطب الأخرى.
وفي جمال القرآن معجزة تذهل حتى من ينكروه، فقد أدت تعاليم هذه المعجزة السماوية العظيمة إلى نشوء حضارة عظيمة في المجتمع البشري، على الرغم من حقيقة أن الأدب العربي كان في أوج عصره في الفترة التي نزل فيها القرآن الكريم، إلا أن الآيات القرآنية ساهمت في زيادة نمو الأدب وتحسينه، فضلاً عن ظهور اتجاهات مختلفة في الأدب.
وكما قرأنا عن العديد من علماء الأمة الإسلامية، يعتبر التأثير الروحي للقرآن عاملاً يعزز قيمته الجمالية، فقد أنزل الله أحسن رواية (في الفكر والشكل) وعند قراءته يرتعد من يخاف ربهم وبعد ذلك بذكر الله مرت الرجفة وتلين قلوبهم.
تثبت الأبحاث الحديثة الأثر الروحي للقرآن على الألم والمعاناة. تم كتابة العديد من الأبحاث حول هذا الموضوع، يمكن للتأثير الروحي للقرآن الكريم أن يغير بشكل جذري تفكير وسلوك الشخص، ويحول الجهلة إلى أناس مجتهدين وحكماء، بالتالي، إن القصد من الآيات القرآنية هو أحد العوامل التي تميز الفن البلاغي لهذا الكتاب الكريم، أما بالنسبة للفن، كقاعدة عامة، يتم إعطاء تفسير متأصل فيه، وبالنسبة للجماليات، كذلك يعطي تفسير متأصل فيه، ومع ذلك، لا يمكن تفسير فن القرآن ضمن حدود معينة، لأن القرآن كتاب مقدس ممتاز، ودليل حياة الإنسان فيه كل المقاصد التي نظمت حياة الأفراد والمجتمعات، وليس عملاً أدبياً حصرياً، على سبيل المثال، في الآيات القرآنية، الغرض منها مهم، وهو أمر واضح في كل مكان، يتم البرهان على الفن الإبداعي، فقد أخذ القارئ إلى ساحات الأحداث الحقيقية غير المتكررة المتعلقة بتوحيد فضله إبراهيم عليه السلام، وحياة القديسة مريم عليها السلام، وعبادتها، ومشاهد الإخلاص، وإيمان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، تثير كل هذه الآيات الإلهية القارئ، وتزرع في روحه بذور الإيمان والطاعة، وتأخذه مع موسى عليه السلام إلى جبل طور، وتضيئه شعلة على طريق الحياة.
ولفهم أعمق لجماليات القرآن الكريم، يجب على المرء أن يلجأ إلى بنيته الهندسية، بين الكلمات والمعاني المستخدمة فيه، هناك انسجام وترتيب لا يضاهى، وهناك ارتباط دلالي، خاصة وأن قصص القرآن تحتوي على حقيقة عميقة منفردة وجمال خاص معاً.
من بين هذه السمات الجمالية، لا يسع المرء إلا أن يلاحظ إيقاع القرآن، وتناغم الكلمات والمعاني المستخدمة والتركيب المنطقي للآيات والسور يعطيها إيقاعاً غريباً يساعد على قراءتها بصوت ترتيلي خلق ترتيل الآيات القرآنية بصوت رنان منذ بداية نزولها شعوراً لا يوصف بالمتعة في الإنسان، إن قراءة القرآن تجعل الإنسان يسعد بأي حال من الأحوال، حتى لو كان لا يعرف معنى الآيات ويجعله يستسلم لله تبارك وتعالى، يعتبر العلماء المسلمين أن إيقاع آياته وانسجامها مع الطبيعة البشرية سمة رائعة للقرآن.
فالقرآن إذن هو تجسيد إلهي ودعم، وتدعو آياته الجماليات الحقيقية إلى التأمل في جماله.
وكما جرت العادة من هذه المقدمة الموسعة قليلاً استعرضنا أحد جوانب جماليات القرآن الكريم، نستكمل تفسير سورة طه المباركة.
قال تبارك وتعالى: (قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا ألا تتبعنِ أفعصيت أمري قال يبنؤمِّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي قال فما خطبك يا سامريّ قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعداً لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا).
في تفسير هذه الآيات المباركة، رفض بنو إسرائيل التوقف عن عبادة “العجل” حتى يعود موسى عليه السلام، وعندما عاد نبي الله عاتب أخاه لماذا بقي في مكان يُعبد فيه غير الله تبارك وتعالى، فرد هارون أنه خاف أن يظن أخاه أنه قسّم بنو إسرائيل في غيابه، ليتساءل نبي الله عما كان في داخل أخيه ليفعل ذلك، فقل هارون لقد بدت لي رؤية أني رأيت فرس جبريل عليه السلام وأخذت حفنة من الأرض ورميتها على العجل من أثر الرسول، لكن سيدنا موسى قال إن الخط الفاصل في هذه الحياة أن يأخذ الإنسان موقفاً مباشراً ، فقد عاقب موسى السامري بمنعه من الاقتراب منه أو الجلوس معه لأن الاقتراب منه يسبب المرض، بما يعني على الإنسان أن يوبخ المخطئين ويبتعد عنهم، الله وحده من يستحق العبادة وعلمه يشمل كل شيء، فكما رويت قصص موسى رويت قصص محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عن الماضي البعيد فمن ابتعد عن القرآن الكريم ولم يؤمن كان كافراً ومكانه جهنم وبئس المصير.
في تفسير روح المعاني لشهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (ت ١٢٧٠هـ)، اتبعوني إلى الطور الذي واعدكم الله تعالى إليه. وفيه أنه عليه السلام لم يكن بصدد الذهاب إلى الطور ولم يكن مأمورا به وما واعد الله سبحانه أولئك المفتونين بذهابهم أنفسهم إليه، وقيل:- لا يخلو عن حسن- أي فاتبعوني في الثبات على الحق وأطيعوا أمري هذا وأعرضوا عن التعرض لعبادة ما عرفتم أمره أو كفوا أنفسكم عن اعتقاد ألوهيته وعبادته قالُوا في جواب هارون عليه السلام لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ أي لا نزال على عبادة العجل عاكِفِينَ مقيمين حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى الظاهر من حالهم أنهم لم يجعلوا رجوعه عليه السلام وماذا يقول فيه، وقيل: إنهم علق في أذهانهم قول السامري: هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ فغيوا برجوعه بطريق التعليل والتسويف وأظهروا أنه إذا رجع عليه السلام غاية للعكوف على عبادة العجل على طريق الوعد بتركها لا محالة عند رجوعه بل ليروا ماذا يكون منه عليه السلام يوافقهم على عبادته وحاشاه، وهذا مبني على أن المحاورة بينهم وبين هارون عليه السلام وقعت بعد قول السامري المذكور فيكون مِنْ قَبْلُ على معنى من قبل رجوع موسى، وذكر أن هذا الجواب يؤيده هذا المعنى لأن قولهم: لَنْ نَبْرَحَ إلخ يدل على عكوفهم حال قوله عليه السلام وهم لم يعكفوا على عبادته قبل قول السامري وإنما عكفوا بعده.
بالتالي وكما ترى عائشة بنت الشاطئ، إن “الإعجاز” البياني مقولة تنحدر من جدالاتِ علم الكلام الذي طوّره المسلمون للردّ على غيرهم للبرهنة على معقوليّة العقائد الدينيّة، “بعد فرضها صحيحةً من الشرع”، كما ذكر ابن خلدون، ولا يتأتّى اليوم الدفاع عن هذا الإعجاز أمام خطابات لا تؤمن بقداسة القرآن ولا بألوهيّة مَصدره، ممّا يستلزم إعادة نشر جديدة لمظاهر أدبيّة النصّ الديني للكَشف عن فرادته، دون تعسّف ولا تكلّف ولا إسقاطٍ، وهذه هي القيود والحدود الحديثة التي على الباحثين التصدّي لها حتى لا يظلّوا في منطقة التمجيد متمسّكين بمنطق التبرير لقضايا لم تعد اليوم هاجسنا الأوّل.
فانسيابية سورة طه المباركة والقصص التي فيها والحكم والمقاصد، تدلل على عمق النص بلاغياً وجمالياً والتذوق الأدبي فيه مرتفعاً للغاية ما قد يجعل القارئ أما نص تقني يتوضح المعنى طالما هناك عفوية في الإيمان الخالص لله تبارك وتعالى.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.