في حفل تدشين حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بقصر البركة العامر لـ»مدينة السُّلطان هيثم.. إرث المستقبل»، وفي حديثه الشفهي المباشر الذي ثمَّن فيه جهود القائمين على هذا المشروع، أشار جلالة السُّلطان إلى ثلاثة مرتكزات أساسيَّة تنطلق منها مَسيرة البناء الوطني، وتحقيق رؤية عُمان 2040؛ كمحدِّدات لتحقيق النجاح واستدامة التنمية، وهذه المرتكزات هي:
1- العمل بروح الفريق الواحد، «نعمل في هذا البلد كفريق في كافَّة المجالات».
2- اعتزاز جلالة السُّلطان بشباب الوطن وما يقدِّمونه من ابتكارات وإبداعات في مختلف المجالات، «ما أشوفه اليوم في الحقيقة يثلج الصدر، وإن شاء الله هذه تكون بادرة لمخطَّطات لاحقة»؛ «هنيئًا لأبنائنا المُصمِّمين وأتمنَّى أن تكونَ لهم بصمات في كُلِّ المجالات».
3- الانطلاقة من الجديد كمدخل للبناء والمنافسة «وخلوكم دائمًا عندكم الجديد».
لقد جاء حديث جلالة السُّلطان المُعظَّم بعد مشاهدته عرضًا مرئيًّا لمُكوِّنات مدينة السُّلطان هيثم والفرص والمرتكزات التي جادت بها، والتي يُمكِن أنْ تغيِّر وجْهَ الخريطة العمرانيَّة في سلطنة عُمان، وتؤسِّس لمرحلة متقدِّمة في بناء مُدن عصريَّة ذكيَّة مستدامة نموذجيَّة تضْمَن العيش الآمن والصحِّي للسكَّان. ولسنا هنا في معرض الحديث عن المدينة ومحتوياتها والفرص الاستثماريَّة لها على سلطنة عُمان عامَّة وولاية السيب ومنطقة المعبيلة بشكلٍ خاصٍّ، وما يُمكِن أن تؤسِّسَه من بيئات نموذجيَّة تصنع الجودة في حياة الإنسان وتؤسِّس في مُكوِّناتها قِيَم الذَّوق والمبادئ مع المحافظة على الهُوِيَّة والخصوصيَّة والقِيَم العُمانيَّة، وتجسِّد عبق التراث العُماني وعصرنته بما يتواكب مع المعايير العالميَّة في المُدن الذكيَّة، ولكنَّنا نركِّز على المضامين والدلالات العميقة في ما ورد من حديث شفهي لجلالة السُّلطان، وهي كلمات تحمل في معناها مدلولات عميقة لرؤية القائد المُلهِم المُجدِّد لنهضة عُمان، والتي تناقلتها وسائل الإعلام ومنصَّات التواصل الاجتماعي، فأثلجت الصدور وارتاحت لسماعها النفوس، وجدَّدت في المشاعر رؤية القائد المُعظَّم وحِكمته، حتى حاز المنطوق السَّامي على اهتمام المواطن وسعادته وتفاؤله وتفاعله، وما يحمله من دلالات، وما يقدِّمه من حلول وبدائل للكثير من التحدِّيات، وما يفصح عنه من نظرة ثاقبة ورؤية حكيمة ومنهجيَّة عالية في الارتقاء والاحتواء، وإنتاج القدرات، وبناء المواطنة، وترسيخ القدوات والنموذج، وما تؤسِّسه من محطَّات البناء القائمة على وحدة الهدف، وكفاءة الأدوات، ومهنيَّة العمل، وحسِّ المسؤوليَّة، وصِدق التوجُّه ونهج الإنسانيَّة، وسُموِّ الفكرة، وما تصنعه من استحقاقات قادمة في البحث عن الجديد، وإدارة التغيير، ونهج التطوير، ورعاية الفكرة، واستشراف المستقبل، وإنتاج البدائل والحلول في ظلِّ مستجدَّات العالم التقني، وثورة المعرفة والمعلومات، والابتكار العمراني، والمُدن الذكيَّة، ومُدن المستقبل، والتقنيَّات الحديثة وغيرها ممَّا بات يحمل في ذاته الجديد، ويرسم للإنسان خريطة التوجُّه بما يفتحه له من نوافذ الأمل ويتيحه من تنوُّع الفرص، إيمانًا من جلالة السُّلطان المُعظَّم بأنَّ البحث عن الجديد يعني تحرير الفكر والعقل من الجمود والسلبيَّة والرجعيَّة وعقليَّة الندرة والدَّوران في حلقة مفرغة، إلى أن يرسمَ للإنسان آفاقًا رحبة للمستقبل، ومحطَّات قادمة للتغيير، وفرصًا أكبر لصناعة التميُّز، وإنتاج القِيمة المضافة من الأشياء، والاستثمار في الرأسمال البَشري الاجتماعي.
كلمات سامية حملت في ذاتها خيوط التقاء بمفردات العيش في سماوات الإبداع، تفتح لإنسان هذا الوطن حياة مُتجدِّدة وعيشًا كريمًا، وتبرز منهجيَّة العمل التي اختطَّها جلالة السُّلطان المُعظَّم منذ تَولِّيه مقاليد الحُكم في البلاد، وجسَّدتها خطاباته السَّامية في مختلف المناسبات، وظلَّت حاضرة في توجيهات جلالة السُّلطان لمجلس الوزراء الموقَّر ولقاءاته بالمواطنين، ولقاءاته مع أعضاء مكتب مجلسَي الدولة والشورى وغيرها من المنظومات الاقتصاديَّة والمُجتمعيَّة التي تشرَّفت باللقاء السَّامي، وهو يُقدِّم اليوم للجهاز الإداري للدولة والمواطنين خطوات العمل المؤدِّية للنجاح، والمؤصِّلة للمنافسة، والمستشرفة للمستقبل والضَّامنة لرحلة التحوُّل الشَّامل، ومسارات واضحة في العمل الدؤوب والإخلاص والتفاني والريادة.
«إنَّنا في هذا البلد نعمل كفريق»، محطَّة تستجلي منهج التكامليَّة في الأداء، والمسؤوليَّة في العمل، وتستشرف وحدة الجهود، إذ لَمْ يَعُد التكامل المؤسَّسي اليوم حالة وقتيَّة، وسلوكًا مزاجيًّا، أو مساحة اختياريَّة للمسؤول الحكومي يتراجع عنها كيفما شاْء، بل خيار استراتيجي يجِبُ أن يسلكَه، فكانت الكلمات السَّامية بوصلة تؤسِّس لمنهج التكامل في العمل المؤسَّسي، ورفع درجة التنسيق بَيْنَ مؤسَّسات الدولة وقِطاعاتها المختلفة، وصولًا إلى تكاملها مع مؤسَّسات القِطاع الخاصِّ والمواطنين، فإنَّ نقل التكامليَّة إلى الواقع يستدعي اليوم شعورًا أقوى بالعمل معا في التعاطي مع التحدِّيات، والوقوف على المستجدَّات، والانطلاقة من الجديد، لتشخيص الواقع، وتصحيح المسار، وتوحيد مفاهيم العمل، وضبط مسارات الأداء، فتتحوَّل التكامليَّة من كونها لجانًا مشتركة أو اتفاقيَّات ومذكّرات تفاهم، إلى نماذج حياة في عمل المؤسَّسات، تُعبِّر عن الواقع، وتظهر في انسيابيَّة العمل، وتبسيط الإجراءات، وتبادل المعلومات، وتكامل الخبرات، وأريحيَّة التواصل وسرعة الإنجاز، ووجود نماذج تطبيقيَّة مجرَّبة ومنتجة للشراكة بَيْنَ المؤسَّسات والقِطاعات، لتتَّجه أجندة العمل إلى الاستفادة من كُلِّ محطَّات التجديد الحاصلة، وتصبح المنافسة مساحة أكبر للالتقاء في الأفكار ووجهات النظر، واحتواء المواطن؛ القاسم المشترك في معادلة البناء ومسارات التطوير.
«ما أشوفه اليوم في الحقيقة يثلج الصدر وإنْ شاء الله هذه تكون بادرة لمخطَّطات لاحقة»؛ «هنيئًا لأبنائنا المُصمِّمين وأتمنَّى أنْ تكونَ لهم بصمات في كُلِّ المجالات»، كلمات فخر واعتزاز من لدُن جلالة السُّلطان بشباب الوطن، وما يقدِّمونه من ابتكارات وإبداعات في مختلف المجالات، نموذج يُقدِّمه القائد المُلهِم في القيادة الناجحة، والثقة في قدرات المواطن العُماني والشَّباب المعطاء، دروس في صناعة الإنسان وبناء الأوطان، والأخذ بأيدي الشَّباب، يحمل في دلالاته أولويَّة الإنسان العُماني في فِكر القيادة، والثقة التي يُولِيها جلالته في أبناء شَعبه الوفي، وإيمان عميق بقدرة الإنسان العُماني على التعامل مع التحدِّيات وتجاوز الصعوبات، تعظيم لِمَا صنعه هذا الإنسان في حقب التاريخ المختلفة من حضارة، وأنتجه من أساسيَّات البناء الفكري والمعرفي، وسطَّره من ثوابت، وأنجزه من شواهد تاريخيَّة باتت مثالًا للعمل الجادِّ والمُخلِص، في الهندسة والتخطيط والتنظيم والريادة والقيادة وبناء المُجتمعات المتحضِّرة. إنَّها دعوة إلى أن تكونَ هذه الثقة طريق البناء، ومسار التضحيات، ومحطَّة لتأسيس الشخصيَّة العُمانيَّة الواعدة في عطائها وإنتاجيَّتها وتسامحها، ورسالة سامية إلى الجهاز الإداري للدولة والقائمين على إدارة المؤسَّسات في الأخذ بأيدي الشَّباب، والثقة في قدراته، وصناعة النموذج الوطني الذي يحمل على عاتقه مسؤوليَّة البناء والتطوير، إنَّها محطَّة للتأمل أراد جلالة السُّلطان أن تكونَ حاضرة في فِكر قيادات المؤسَّسات، ذلك أنَّ سلطنة عُمان وهي تستشرف رؤية طموحة وأهدافًا متعاظمة ومنهجيَّات عمليَّة ومرتكزات تضع في أولويَّاتها الثقة في الكفاءة العُمانيَّة كمدخل للتغيير، ومُكوِّن أساسي في تحقيق الأهداف، والوصول إلى الغايات وتعظيم الرأسمال البَشري الاجتماعي المواطن، وتوجيه الأنظار إلى إنجازاته، وفتح المجال له ليبدع ويفكِّر ويخترع ويبتكر وينتج ويعطي من أجْل مستقبل أبناء اليوم وأجيال المستقبل.
ويبقى عطر النطق السَّامي «خلوكم دائمًا مع الجديد» محطَّة اختبار لموقع الحدس والفراسة في فِقه المسؤول الحكومي، لتجسِّد بِدَوْرها ملامح العلاقة بَيْنَ الثقة في الكفاءة ووحدة الجهود في قدرتها على الانطلاقة بسلطنة عُمان إلى المستقبل من أدوات المستقبل ذاته مع المحافظة على خيوط الاتصال والتناغم بالأصالة والثوابت في قوَّتها وتكاملها، ويصبح الجديد الذي أكَّد عليه جلالة السُّلطان هي: قراءة الوطن ومنجزاته واستشراف أدواته وملامحه في ظلِّ الاستفادة القصوى من هذا الفضاء العالمي المفتوح بما يضمُّه من مبادرات وتوجُّهات واستراتيجيَّات وثقافات وأفكار وطموحات وأنماط حياة عصريَّة، ونماذج عمل وتطبيقات، في المجالات التقنيَّة والعلميَّة والتعليميَّة والعمرانيَّة والاقتصاديَّة والسياحيَّة وبناء المُدن الذكيَّة والابتكار والبحث العلمي والريادة والجاهزيَّة، محطَّة تستجلي في النَّفس حسَّ المبادرة، وروح المبادأة، وقِيمة المنافسة وقَبول التحدِّي منطلقًا من مبدأ «العمل محليًّا والتفكير عالميًّا» ـ وبهذه المعادلة تتَّسع دائرة الإنجازات فتتفاعل مع الواقع، وتتناغم السياسات مع الممارسات، وتتَّجه الأدوات إلى الابتكاريَّة والتجديد، وتنطلق مسارات التفكير لتغرِّد داخل سرب التنمية، وخارج الصندوق بما تقترحه من حلول مبتكرة وخيارات واسعة، فيبدأ العمل من حيث انتهى إليه العالم، تلك الروح المُخلِصة المعطاءة التي تحتاجها عُمان لنهضتها المُتجدِّدة، والتي تطبع في الشخصيَّة العُمانيَّة سِمة القوَّة والتجديد، وفرص الارتقاء والاحتواء، ممارسة تمشي على الأرض فيتمُّيز المنجز في قوَّة، ويتقدَّم في ثبات، ويتناغم في ظلِّ معطيات كونيَّة، إنَّها دعوة عاهل البلاد المُفدَّى إلى الخروج عن المعتاد والمتكرر.
أخيرًا تبقى هذه الثلاثيَّة الذهبيَّة للمنطوق السَّامي لجلالة السُّلطان المُعظَّم، روح التحوُّل الشَّامل التي تسري في تفاصيل الممارسة العُمانيَّة: الحياتيَّة والمهنيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة للمواطن والمؤسَّسات على حدٍّ سواء؛ لِمَا لهذه التفاصيل من أهمِّية في رسم المسار، وتحديد بوصلة التوجُّه، وترقية الروح الوطنيَّة العالية وحفزها للإنجاز، وتنقية الممارسة من أيِّ انحرافات تعرقل عمليَّة التنفيذ أو تضرُّ بمصالح المواطنين أو تؤخِّر تحقق الفرص لدَيْهم، مددًا يُنير الطريق، ويحفظ الودَّ، ويرسم الأمل، ويبني الكفاءة، ويحدِّد بوصلة التوجُّه، ويبني الثقة، ويصنع القدوات والنماذج، وينتج الكفاءة، ويقوِّي من فرص الحوار والتفكير في المستقبل، فمعًا نتقدَّم بأدوات المستقبل وآليَّاته، إنَّها مساحة أمان يشارك المواطن فيها بقوَّة في دعم هذه التكامليَّة، وإنضاج الثقة والاستفادة من الجديد من خلال أطروحاته ومبادراته وأفكاره، وما يُقدِّمه من منتج معرفي وفكري داعم للعمل المؤسَّسي المتكامل، ويصبح مفهوم الجديد في المنطوق السَّامي مساحة انطلاقة بسلطنة عُمان لفتح آفاق أوسع لتجريب الحلول وحلحلة التحدِّيات، وتصحيح المسارات والوقوف معًا على الأولويَّات بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين. فشكرًا لكم مولاي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم على هديَّتكم للشَّباب العُماني ولكم الولاء ـ حفظكم الله ورعاكم.
د. رجب بن علي العويسي