بعد الارتفاعات المتتالية في أسعار النفط منذ عام 1973، بدأت الحكومة السعودية في طرح المشاريع الضخمة والتي أدت إلى جلب عمالة وافدة مكثفة، وبداية إنتشار البطالة بين السعوديين.
حيث طرحت الحكومة سياسات “السعودة” في عام 1975 من دون وجود آي تجاوب يُذكر من القطاع الخاص. وقد ساهم تدفق العمالة الوافدة المكثفة في مضاعفة الضغوطات على الوضع التنافسي للعمالة السعودية.
قبل طرح “رؤية 2030” ، بدأت الحكومة بإجراء إصلاحات جذرية شاملة في جميع مؤسساتها وسياساتها،ووضعت خططًا طموحة لمكافحة البطالة بين السعوديين بعد أن وصلت لنحو 13%، إدراكًا منها أنه من دون أخذ إجراءات مدروسة لمعرفة الأسباب الحقيقية لعدم تجاوب الشركات لتوظيف السعوديين،فإن البطالة المتفاقمة سوف تهدد السلم الاجتماعي.
قامت الحكومة بإجراء دراسة جديدة قائمة على التحليل العلمي واتفقت مع بيت خبرة متخصص لدراسة أسباب عزوف الشركات عن تعيين العمالة السعودية والفجوة بين العاملين السعوديين والوافدين وأسبابها والأثر المترتب على تقليصها. وراجعت جميع السياسات المتبعة منذ عام 1975 والتي لم تخلق فرص عمل كثيرة للسعوديين، وظلت العمالة الوافدة تتدفق بشكل مكثف عاما بعد آخر .
ومن النتائج التي خلصت إليها الدراسة:
عندما طبقت الحكومة سياسات السعودة في عام 1975،فإنها لم تدرك الصعوبات والمشاكل الحقيقة آلتي تمنع القطاع الخاص من توظيف السعوديين أو عدم رغبة السعوديين من العمل في القطاع الخاص بسبب المزايا العديدة التي يحصلها الموظف في القطاع العام وعدم محاسبته أو الاستغناء عنه.
ارتفاع تكلفة العمالة السعودية مقارنة بالعمالة الوافدة، وضعف إنتاجيتها وانعدام ثقافة العمل لديها وانتشار ثقافة العيب بينها، مقارنة بالعمالة الوافدة، مما أدى إلى ضعف استجابة القطاع الخاص لتنفيذ توجهات السعودة، وهي نفس المشاكل التي واجهت كل الحكومات الخليجية.
التركيز على الكم لم يلاقي قبولا من المواطنين أو الشركات وكانت النتيجة تراكم البطالة مثل سائر بلدان مجلس التعاون ومن ضمنها عُمان.
سياسات السعودة كانت ناتجة كرد فعل وقرار من جهة واحدة، وبدون إجراء أي حوار أو تنسيق مع القطاع الخاص ومن دون وجود دراسات عن طبيعة سوق العمل السعودي والتشوهات الموجودة فيه وفي قانون العمل والنظامين التعليمي والتدريبي.
وكل ذلك أدى إلى تذمر كل الأطراف واللجوء إلى التحايل على قرارات السعودة.
عدم دقة بيانات سوق العمل،جعل تقييم مستوى الإنجازات مدار جدل مستمر.
قانون العمل يقدم حماية أكثر من اللازم للعامل السعودي والذي أثر سلبا على إنتاجيته وعلى أخلاقيات العمل لديه،وأصبح معرقلًا لتوفير الوظائف.
وعلى ضوء ذلك قامت السعودية بإجراء إصلاحات كثيرة في قانون العمل شملت إعطاء الشركات حق الاستغناء عن الموظفين في حالات عديدة. وتضمنت الإصلاحات تهيئة العامل للدخول إلى سوق العمل عن طريق إعادة تدريبه وتزويده بالمهارات المطلوبة في سوق العمل، وغرس أخلاقيات وقيم العمل لديه وتحسين إنتاجيته وتعليمه اللغة الانجليزية.
كما بدأت بدعم برامج دعم المنشآت التي تساهم في المحافظة على وظائف السعوديين وتأسيس صندوق لدعم الوظائف ولكن ليس بتحديد نسب سعودة غير واقعية، وتمويل برامج تتواءم مع إحتياجات سوق العمل وإجراء دراسات مستمرة لمعالجة معوقات التوظيف وتقديم الإعانات لتأهيل القوى العاملة الوطنية، ويتحمل الصندوق جزءًا كبيرًا من التكاليف،بينما تتحمل الشركة الراغبة في إعادة تأهيل الموظف نسبة من المبلغ، كما يتحمل الموظف نفسه نسبة تبلغ 30% من الزيادة التي يحصلها في الراتب الشهري.
ويساعد الصندوق أيضا المؤسسات لتوسعة أنشطتها لتوليد مزيد من فرص العمل، وتقديم المشورة الفنية والإدارية لمنشآت تأهيل الموظفين. لذا أصبح صندوق الموارد البشرية ضمن الآليات الفاعلة للمساهمة في توفير الكوادر السعودية المؤهلة بالعلم والمدربة تدريباً جيداً.
وحققت السياسات الجديدة نجاحات ملحوظة وتم إيجاد عشرات الألوف من فرص العمل، وأول هدف للحكومة كان تخفيض معدلات البطالة إلى 7٪، كما ربطت مخرجات التعليم باحتياجات السوق.
والرؤية نفسها تستهدف توفير أكثر من مليون فرصة عمل إضافية حتى نهاية عام 2030. ويعتقد المسؤولون أن الرقم المستهدف لم يأت من فراغ، وإنما بناءً على خطط تنموية اقتصادية طموحة،ما يجعله قابلا للتحقق بحلول عام 2030، كما أدركت الحكومة صعوبة خلق فرص عمل كبيرة من دون إنشاء مشاريع كبيرة ومستمرة.
العنصر الآخر المهم هو انخراط المرأة في سوق العمل وتوسيع مجالاته. وتسعى الحكومة إلى توطين الوظائف في جميع المهن عن طرق تجنب أخطاء الماضي، وبالفعل تمكنت على الرغم من الكثير من التحديات والصعاب أن تحقق تقدما تدريجيًا، بدأت بتوطين الأنشطة التي لا تحتاج إلى مهارات كبيرة مثل بيع القهوة والشاي والعسل والسكر والبهارات وبيع الكتب والقرطاسية واللحم والأسماك.وتمكنت على الرغم من الكثير من التحديات والصعاب من تحقيق تقدم تدريجي. ويتوقع أن يسهم قرار توطين الوظائف في هذه النشاطات إلى خلق أكثر من ٥٠ ألف فرصة عمل للجنسين،وتقليل نسبة العمالة الوافدة فيها بنسبة 50٪. وارتفعت كذلك نسب توطين الوظائف في مجالات بيع السيارات والدراجات، والأثاث المكتبي والمنزلي، والأجهزة المنزلية، ومواد التنظيف والملابس،إضافة إلى القطاعات الطبية، والمحاسبة والمحاماة، والاتصالات،وتقنية المعلومات، والصناعة والاستشارات الهندسية، والتجارة والسياحة، والنقل والمقاولات. وتم استثناء تلك المهن التي تتطلب خبرة طويلة ودقيقة.
وأدت العملية إلى توفير وظائف لعشرات الآلاف من السعوديين،كما أجرت دراسات لاستشراف العرض والطلب في سوق العمل للسنوات القادمة وتأهيل كوادر وطنية سعودية تتناسب قدراتها مع احتياجات السوق المتغيرة.
وتبلغ القوى العاملة في المملكة نحو 9 ملايين فرد، أي ما نسبته 49.9% من إجمالي عدد السكان 15 سنة فأكثر .
وتتركز قوى العمل الوافدة في قطاع الإنتاج والتشييد بنسبة 41.07%، ثم قطاع الخدمات،وتأتي المهن الإدارية الأدنى بنسبة 1.14%.كما تقوم بإيجاد تعديلات في أنظمة العمل لتكون مرنة وصديقة للاستثمارات لخلق مزيد من فرص العمل.وتسعى الحكومة للوصول إلى نسبة بطالة لا تتجاوز الـ7% بحلول عام2030. وقد تراجع معدل البطالة إلى 10.1% في الربع الأول من 2022،نزولاً من 11% في الربع الأخير من 2021. وقد إرتفعت نسبة توطين الوظائف في القطاع الخاص إلى 22.3% في نهاية العام 2021، مقارنة مع 17.1% قبل بدأ الاصلاحات بعام واحد.
أدركت الحكومة أن تنمية الموارد البشرية ذات أبعاد أربعة، فهي أولآ عملية تعليمية يساهم فيها التعليم العام بوضع حجر الأساس من حيث صقل شخصية الفرد وتزويده بالأسس التعليمية المطلوبة، وهي ثانيًا عملية تدريبية فنية يتم من خلالها تأطير نشاط الأفراد ضمن قدرات علمية متخصصة، يساهمون في الإنتاج بصورة مباشرة. كما أنها ثالثًا عملية تنظيمية إدارية يتم فيها تأهيل الأفراد لإدارة وتنفيذ النشاط بجوانبه المختلفة. وهي أخيرًا مسألة سلوكية تهدف إلى التأثير في السلوك الاجتماعي للإفراد وتنمية القيم المطلوبة التي تجعل نشاطهم في إنتاج السلع والخدمات متلائما مع الإطار الفكري الذي يعيشون فيه.
على أن الوصول إلى هذه الأبعاد الأربعة وتحقيق الأهداف المرجوة من خلالها لا يتم إلا في إطار بيئي-إجتماعي مناسب لكي تأخذ عملية تنمية الموارد البشرية بأبعادها بشكل واقعي منسجم مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أدركت أن مشكلة البطالة هي لب مشكلة التنمية المستدامة ولا حلول لها إلا من خلالها.
مرتضى بن حسن بن علي