كعادتي ومن خلال نظرتي الايجابية للأمور، أنطق كلمات الثناء والإشادة لكل ما هو بناء وهادف وخصوصًا دعم المواهب الشابة والمتألقة، وهي تمر على متلقيها مرور السحاب في الجو الحار .. تعزيز تحفيز، ومهنية أعلامية، وأغمضنا عين في بعض الأحيان النقد في شؤون الحياة الاجتماعية والثقافية والرياضية، ويتلقاها ذو العلاقة وكأنه حق مكتسب لأنه كما يقال (خدم المنظومة) وبدون أية ردة فعل أو حتى إماءة أو تعقيب.. سارت الأمور بهدؤ تام مع بقاء المجاملات على خط الانتصار.
ولكن في بعض الحالات يستفزك المشهد ويجبرك على تغيير الأسلوب بهدف تصحيح المسار وتقويم المعوج لصالح (المنظومة)، لتتفاجئ بحجم ردات الفعل، والشرار المطرد من الأعين، والرسائل تباعًا من كل حدبٍ وصوب، ويكون التشخيص سيد الموقف. التجارب السابقة علمتنا أن الكثير منا يكرهون هذا التعليق ويستثقلونه عندما يسمعوه ويكونوا على درجة عالية من الجاهزية للدفاع عن الموقف ويضعون صورتهم للمشكلة أو القضية في موقف الدفاع بأي ثمن كان، كما يتسلحون بأفضل الأسلحة من وجهة نظرهم كي يبدون أنيقين أو مقبولين على أقل تقدير، لدرجة أنك تشعر أحياناً بأنانية منهم على حساب منظومتهم!!
لنفكر في النقد قليلًا أليس في أكثره دافعية لتطوير أنفسنا من خلال معرفة أخطاءنا وعيوبنا والعمل على تصحيحها وتصويبها؟، أليس هو بمثابة الوخزات التي تعيدنا إلى وعي وإدراك أعلى بما نفعل أو نقول؟، إذًا لماذا نخشاه أو نتحسس منه؟
أن الصورة التي يراها الآخرون عنا ليست ذات الصورة التي نراها نحن عن أنفسنا، فالصورة التي يراها الناس(المنصفين) وليس أي أحد تكون أكثر واقعية ووضوح، وهذا الاختلاف في رؤية الصورة صحي جداً لأنه يعكس جوانب خفية عن عدساتنا الشخصية، وبذلك تقل أخطاءنا إن قبلنا ذلك وتعاملنا مع النقد بإيجابية وأريحية.
مهما طال تهربنا من النقد فأن مصيرنا العودة مرغمين لسماعه أو سماع بعضه فليس بإمكاننا أن لا نرى وجوهنا في المرآة لعدّة أيام، وحتى لو أجلنا النظر لمحاولة كسب وقت للتمتع برضا عن النفس فأن ذلك التأجيل لا يعطل وظيفة النقد، فالإنسان الذي يهمه تغيير ذاته لن يستغني عن الأداة الكاشفة لمكامن تعثره.
سكبنا العسل الكثير في مقالاتنا لأن الموقف يستحق، ولأكون محقاً وصادقاً فالنقد لابد أن يكون حاضراً بالمقابل. وتلقيت إشارة ( قف ) قليلًا وأكتب عن نقد منظومة العمل، برغم قناعتي بأن عدم التقبل قادم لا محالة، فمن الطبيعي جدًا أن الإنسان حين يخطأ أو حتى في حال أنجز عمل بكفاءة أقل من الكفاءة المفترضة لا يفضل أن يطلع الآخرين على هذا الخطأ، بل يفضل أن يبقى مستوراً حتى لا يظهر في أعين الناس أصغر أو أدنى أو أقل مما عرفوه تلك هي طبيعة الإنسان وتلك هي نفسيته، لذلك لا نرى تغييرًا أو تطورًا في أعمالنا التي تُسند إلينا.
خليفة البلوشي