انطلاقًا من مهام واختصاصات شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في تحقيق الأمن والنظام وترسيخ الوعي الاجتماعي والحسِّ الأمني عَبْرَ مكافحة الجريمة والوقاية مِنها، ودَور الأمن في تعزيز اقتصاد السِّياحة وضمان تحقيق بيئة سياحيَّة آمنة تمتلك مُقوِّمات النجاح ومرتكزات القوَّة ومحطَّات التحوُّل التي تنعكس إيجابًا على مستوى الرضا السياحي وتُسهم في تعزيز كفاءة الخدمات السياحيَّة؛ وفي ظلِّ ما يُمثِّله خريف ظفار السياحي من ميزة تنافسيَّة واعدة في الخريطة السياحيَّة لسلطنة عُمان والمنطقة، عَبْرَ تعزيز محافظة ظفار كوجهه سياحيَّة للمواطن والمقيم والزائر من خارج السلطنة حيث شهدت السنوات الماضية حضورًا كثيفًا للسيَّاح من دوَل مجلس التعاون لدوَل الخليج العربيَّة وغيرها في ظلِّ زيادة عدد الوجهات السياحيَّة المباشرة لرحلات الطيران والسفن السياحيَّة المتَّجهة إلى المحافظة، بما يحمله من فرص تستدعي استثمارها وتعزيز حضورها لضمان استيعاب أعداد كبيرة من السيَّاح، وفي الوقت نفسه جملة التحدِّيات والمهدِّدات الأمنيَّة التي يتوقع أن تحصلَ، خصوصًا ما يتعلق مِنها بحوادث الغرق والإنقاذ وحوادث المَركَبات والحرائق والإسعافات وغيرها ممَّا يرتبط بالأمن والسلامة العامَّة، بما يستدعي تحقيق أعلى درجات الجاهزيَّة الشُّرطيَّة ورفع درجة الحسِّ الأمني للمواطن والمُقيم والزائر عَبْرَ تعريفه بواجباته ومسؤوليَّاته وحقوقه في استخدام هذه البيئات السياحيَّة والمواقع، وترقية فرص التعامل مع البيئات السياحيَّة لضمان الاستفادة القصوى مِنها وإعادة إنتاجها لتُشكِّل قِيمة مضافة في حياة السائح، لذلك يأتي استنهاض الحسِّ الأمني واستنطاق قِيَمه في ممارسات المواطن والمقيم والسائح المتعلقة بالاستخدام الأمثل للمرافق السياحيَّة والابتعاد عن كُلِّ ما يؤدِّي بالفرد إلى المخاطرة، وإشراك الفرد والمُجتمع في تبنِّي مفردات الحسِّ الأمني والمسؤوليَّة الأمنيَّة ومنظومة الوقاية والجاهزيَّة وتجسيدها في واقع ممارساته اليوميَّة وتعاملاته الشخصيَّة سوف يكُونُ لها أثَرها في تقوية الفرص المتحقِّقة من هذه التظاهرة السياحيَّة في محافظة ظفار في بناء اقتصاد الأمن، وتعزيز دَور الشُّرطة في اقتصاد السِّياحة الواعد تحقيقًا لأهداف ومبادرات ومستهدفات رؤية عُمان 2040.
لقد أدركت القيادة العامَّة لشُرطة عُمان السُّلطانية أنَّ تحقيق جهاز الشُّرطة لدَوْره وقيامه بمسؤوليَّاته على أكمل وجْه إنَّما يضيف إلى عمليَّات التحديث المستمر والتطوير النَّوعي التي يشهدها هذا الجهاز، وجودة ميزة التكامل ورفع أعلى درجات التنسيق والشراكة بَيْنَ مختلف تشكيلات الشُّرطة لضمان كفاءة استخدام الأدوات والتفاعل مع المهام وتحقيقها بأفضل المعايير. لذلك حرصت القيادة العامَّة للشُّرطة والجمارك على أن تجعلَ من خريف ظفار محطَّة اختبار شُرطي ومساحة التقاء لبناء الحسِّ الأمني وتأصيل ثوابته في حياة الفرد والمُجتمع، وأن تكُونَ هذه التظاهرة السياحيَّة الكبرى محطَّة تحوُّل لصناعة التغيير، لذلك عملت على رفد قيادة شُرطة محافظة ظفار بكوادر بشريَّة ومعدَّات وآليَّات وتجهيزات نوعيَّة لتعزيز البُعد الأمني وترسيخ مقتضياته، وخدمة زائري المحافظة في موسم الخريف لتؤدِّي واجبها بكفاءة؛ انطلاقًا من إيمانها العميق بأهمِّية الحضور الشُّرطي في كُلِّ مواقع العمل والمسؤوليَّة بما يضْمَن أمن وسلامة الإنسان على هذه الأرض الطيِّبة، وبالتالي ما يؤسِّسه هذا النهج الشُّرطي من دَور استراتيجي في بناء اقتصاد السِّياحة وتعظيم فرص النجاح لها وتأكيد أنسنة الأمن الذي ما وجد إلَّا من أجْل حماية الإنسان والمحافظة عليه، وتحقيق السلامة له وضمان أبعاده عن كُلِّ مخاطر الشبهات والتأثيرات الفكريَّة والنَّفسيَّة، ويؤكِّد في الوقت نفسه منحى الإنسانيَّة التي يؤمن بها العمل الشُّرطي في تنفيذ مهامه كأولويَّة تسبق أيَّ توجُّهات أخرى تنفيذًا للمبادئ العُليا للعمل الشُّرطي، وعليه وضعت هذه المعطيات شُرطة عُمان السُّلطانيَّة أمام قراءة معمَّقة لتجسيد هذه الاختصاصات والمهام في واقع عملها، بما تستهدفه من تعزيز صيف عُمان الآمن، وتأكيد الجاهزية الشُّرطيَّة الضامنة لأعلى درجات الأمان والسلامة في التعامل مع متطلبات التظاهرة السياحيَّة الخريفيَّة والأنشطة والبرامج السياحيَّة والترفيهيَّة والاجتماعيَّة وغيرها المرتبطة به، لذلك عملت على بناء أُطر أكثر ثباتًا واحترافيَّة في الإجراءات الشُّرطيَّة الموجّهة نَحْوَ التعامل مع مقتضيات البُعْد الأمني، وفق خطَّة متكاملة وإجراءات واضحة واستراتيجيَّات محدَّدة، ومنظومة شُرطيَّة متكاملة المدخلات والعمليَّات في المسارات البرِّيَّة والبحريَّة والجوِّيَّة للوصول إلى مخرج سياحي آمن يُشعر الجميع بالأمان والسلام.
ومع الاهتمام بتعزيز الحسِّ الأمني في مُجتمع محافظة ظفار خصوصًا ومختلف محافظات سلطنة عُمان وعَبْرَ رفع سقف الوعي والحسِّ الأمني للمواطن والمقيم والزائر بالشكل الذي يضْمَن تحقيق صيف سياحي آمن خالٍ من المنغِّصات، ومعكِّرات المزاج، أو مُسبِّبات القلق، وتفعيل نُظم الاستشعار عن بُعد والقراءة الاستباقيَّة للظروف والمتغيِّرات، وإعادة تقييم المسار وفق سيناريوهات بديلة محكمة ضامنة لمزيد من الأمن والأمان والاستقرار، حيث تتكامل جهود جميع التشكيلات الشُّرطيَّة في ضمان الوجود الشُّرطي في المواقع والبيئات السياحيَّة، وتكثيف نقاط الرقابة والدَّوريَّات المروريَّة التفاعليَّة داخل المحافظة وتأمين انسيابيَّة الحركة المروريَّة في المناطق السياحيَّة الجبليَّة والسهليَّة والشاطئيَّة، والجاهزيَّة الشُّرطيَّة المُعزَّزة بالسيناريوهات والبدائل وتكامل الحلول وواقعيَّتها في التعامل مع المستجدَّات، بالإضافة إلى تكثيف الدَّوريَّات المروريَّة، وتفعيل نقاط المراقبة في الطريق المؤدِّي إلى محافظة ظفار، أدم ـ هيما، وهيما ـ ثمريت، وكذلك تأمين الطريق الساحلي من محافظة جنوب الشرقيَّة إلى ظفار، أو كذلك ما يرتبط بتعزيز دَور الإعلام الأمني الشُّرطي في تكثيف برامج التوعية والتثقيف الأمني ومعايير السلامة العامَّة، وتوجيه السيَّاح بالضرورات والضوابط والإجراءات التي ينبغي استحضارها، والتحذيرات والنصائح عَبْرَ الرسائل النصيَّة والمنصَّات الاجتماعيَّة التفاعليَّة والقنوات الإعلاميَّة المختلفة والموقع الإلكتروني للشُّرطة، في اتِّخاذ الاحتياطات الوقائيَّة والأمنيَّة المناسبة في رحلة السفر إلى المحافظة وإجراءات الصيانة الدَّوريَّة للمَركَبة.
لقد ارتبط هذا الجهد الشُّرطي في التعامل مع معطيات خريف ظفار ببناء القدرة الوطنيَّة المُعزِّزة للحسِّ الأمني، من خلال تعزيز قدرات الكوادر الشُّرطية وتفعيل دَور الإعلام الأمني بمختلف الوسائط والقنوات الإعلاميَّة، في التعامل الذَّكي مع المواقف والظروف بما يضْمَن المحافظة على هيبة الأمن والالتزام به مع مدِّ جسور الترابط والتكامل والتناغم مع فئات المُجتمع عامَّة، ودَور الشَّباب خاصَّة في التزامه بتحقيق هذه الغايات الأمنيَّة، في الإبلاغ عن الحوادث ذات الصِّلة، أو في الالتزام بالنظام والمتابعة المستمرَّة لِمَا يبثُّه الإعلام الشُّرطي من رسائل توعويَّة وتحذيريَّة وتثقيفيَّة في استخدامه للطريق واستمتاعه بأجواء خريف ظفار وغيرها بما من شأنه ترسيخ قِيَم وأخلاقيَّات المُجتمع الآمن، في سبيل توفير مناخ سياحي آمن، قائم على تحقيق أعلى درجات الاستجابة لاحتياجات السائح، وتقليل أثر أيِّ مخاطر غير متوقعة، على أنَّ الرسالة الشُّرطيَّة في التعاطي مع متطلبات الخريف لَمْ تقف عند حدِّ تكثيف وتفعيل الحضور الشُّرطي في هذه البيئات والمواقع السياحيَّة والترفيهيَّة، بل وهي تؤدِّي هذا الدَّور بكُلِّ جدارة تتَّجه إلى العُمق في إدارة السلوك الاجتماعي السياحي، وتُعزِّز فرص التمكين للفرد في الاستخدام الأمثل لهذه الموارد الحيويَّة من بيئات سياحيَّة متنوِّعة جبليَّة وشاطئيَّة، والعيون المائيَّة والشلالات والمواقع الأثريَّة والمحميَّات، وفي الوقت نَفْسه تعريف السَّائح بأيِّ مخاطر قد تظهر في أيِّ موقع كوجود ازدحام أو خطورة ارتياد بعض المواقع أو وجود إصلاحات ومعالجات لبعضها، والتجهيزات التي يجِبُ اصطحابها لقضاء وقت أفضل للاستجمام، فإنَّ من شأن هذه التوجيهات تعزيز الحسِّ الأمني في بناء سلوك السِّياحة الآمنة وتعزيز حضوره في حياة الفرد وممارساته، وهي بهذا المسار تتَّجه إلى امتلاك المواطن والمقيم والسَّائح لمهارات التنبه للمخاطر المتوقعة واتِّخاذ إجراءات استباقيَّة للحدِّ من تأثيرها على السَّائح بحسب طبيعة الموقف الذي يتعامل معه، ومن أهمِّ الوسائل الاستباقيَّة والوقائيَّة في التعاطي مع الواقع السِّياحي بما يحمله من فرص وتحدِّيات ومُقوِّمات ومُهدِّدات، وإعداد التدابير المناسبة واللازمة لمواجهة كافَّة السلوكيَّات والظواهر والممارسات التي يُمكِن أن تُشكِّل تحدِّيًا يُعيق أمن الخريف أو يُسهم في انتشار بعض الظواهر السلبيَّة المقلقة، ويصبح بناء الحسِّ الأمني سدًّا حصينًا في وقاية الفرد من التهديدات والتقليل من حدوثها وضبط مسارها والوقاية من آثارها بشتَّى الوسائل والطُّرق، فهو بذلك أعلى درجات الوعي المُجتمعي، وتعبير عن رُقي أفراده في تعاملهم مع متطلبات خريف ظفار، وفهمهم لأدوارهم ومسؤوليَّاتهم نَحْوَه، وقدرتهم على وضع الخريطة السياحيَّة لسلطنة عُمان في مسارها المتوازن وإطارها الصحيح في ظلِّ عالم مفتوحة فضاءاته، بما يؤصِّل الحسَّ الأمني القائم على الشعور الذَّاتي بامتثال هذا الدَّور، وأنَّ السلوك المتوقع من المخاطب كفيل بالمحافظة على حياته وحياة الآخرين وتحقيق السَّعادة التي يؤمن الجميع بأهمِّيتها. هذا المدخل الذي اعتمدته شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في بناء الحسِّ الأمني القائم على بناء الثقة في الفرد وقدرته على التغيير الذَّاتي وتوقع السلوك الأفضل منه، سوف يُسهم في التغيير الذَّاتي في الممارسات المُجتمعيَّة الأمنيَّة، ليتحوَّلَ الفرد خلالها إلى رجل شُرطة في احترامه للقانون والتزامه بالضوابط ومحافظته على البيئات السياحيَّة والمسطحات الخضراء، بما ينعكس على ممارسته الأمنيَّة ووعيه بمسؤوليَّاته.
أخيرًا، فإنَّ ترسيخ الحسِّ الأمني في خريف ظفار السِّياحي، محطَّة نوعيَّة لبناء الإنسان الواعي لمسؤوليَّاته، والمُدرك لمقتضيات وجوده، والذي يستدرك النِّعم التي وهبها الله وأودعها في أرض ظفار العصماء بالمحافظة عليها واحترامها وتقدير وجودها والعمل على استدامتها، ومنع كُلِّ ما يؤدِّي إلى تشويهها أو التعدِّي عليها فإنَّ ما يُشير له واقع الرصد الشُّرطي والمؤسَّسي من ممارسات من بعض الشَّباب، في مجالات المرور واستخدام الطريق والسرعات والتجاوزات في الخطِّ البرِّي المُتَّجه إلى محافظة ظفار ما نتج عنه من حوادث مميتة، أو كذلك السلوك الاجتماعي الممارس بما فيه من تجاوزات، وغيرها من القضايا والمواقف، والأحداث تتعلق بمنظومة الأمن واستخدام المرافق السياحيَّة أو تعريض حياة السَّائح المواطن والمقيم والزائر للخطر أو التعدِّي على حقِّه في الاسترخاء والشعور بالأنس والراحة والاستجمام وغيرها، معطيات عزَّزت من جهود شُرطة عُمان السُّلطانيَّة في ترسيخ الحسِّ الأمني وترقية منصَّاته؛ باعتباره الطريق الآمن لبناء الاستثمار في المورد البَشَري والمكاني في ظلِّ ما يولده في السَّائح من فرص الاستجابة للتغيير وإعادة هندسة السلوك السِّياحي بما يتوافق مع الضوابط والقِيَم والهُوِيَّة العُمانيَّة، الأمْرُ الذي يضع المسؤوليَّة الفرديَّة والمُجتمعيَّة اليوم على المحكِّ في التزام مسار القدوة وإنتاج النماذج الإيجابيَّة التي تحافظ على حقِّها في الاستمتاع بأجواء خريفيَّة آمنة.
د.رجب بن علي العويسي