في هذه الأيام الحارّة، مسيرة الحياة ستُكمل، ومع كل نوائب هذا الزمان، دائماً ما نتمسك بالأمل، لا حياة بدون الأمل حتى وإن كان بصيصاً منه، لأنه الرابط ما بين ذاك الزمان وهذا الزمان ونحن بينهما، مخضرمون عاصرنا الجيل الذهبي، وما تلا ذلك من تطورات.. لكننا وبمقارنة داخلية مختلطة المشاعر تجدنا نميل إلى عبق جيلنا الأول، عندما كان للكلمة معنىً وهدف، عبرة وموعظة.
عندما كان للمسرح دور رائد، وللفن رسالة، وللنشاطات الأخرى تربية ووعي، عاصرنا ذاك الجيل الذي كان يقدّر كل شيء ويحافظ عليه، عاصرنا الجيل الذي علّمنا كيف نحب الوطن، كيف نعشق فلسطين، كيف نقدّر الشهيد، نقدّر عطاءات أهالينا، نقدّر اهتمام بلادنا بالنُخب على كافة المستويات، فكيف لنا أن ننسى أو نتناسى هذا الجيل الذي حفر في داخلنا وترك بصمة كبيرة لا تسقط بالتقادم ولا يمكن أن تؤثر عليها رياح الزمان المتغير.
ففي أمسية وجلسة جمعتني بنخبة كويتية راقية، أعادتني إلى ذاك الجيل، هو جيل ذهبي بكل المقاييس، جلسة لن تتكرر وهذا أقل ما يُمكن أن توصف به، جلسة حب ودفء ومودة وذكريات جميلة لا يمكن لجيلي السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات أن يتغافل عنها، فترة ذهبية كانت تمر بها الكويت حتى وإن كان عقد التسعينات في بدايته أليماً للكويت وشعبها، لكن النهوض هو الأهم.
هذه الجلسة التي من حيث شكلها العام تشابه الكثير من الجلسات إلا أنها كانت أمسية ستبقى في داخلي ما حييت، أولاً لأنها ضمّت أصدقائي المقربين، وزادت رصيد أصدقائي شخصاً جديداً هو مشهور والجميع يعرفه، بما فيهم “أنا”، لكن هذه هي المرة الأولى التي أجلس معها وأتعرف على هذه الشخصية عن قرب، قبل أن أذكرها، لا بد من سرد انطباعي المتواضع، بأنها شخصية دمثة الأخلاق، متواضعة، نبيلة، مثقفة، خلوقة، صاحبة طرفة ونكتة، تملك الكثير من الخصال الحميدة، على مبدأ المثل القائل: “من لا يحافظ على قديمه.. لا جديد له”، هكذا كانت هي وباقي الأصدقاء.
أمسية امتدت لساعات، دون الشعور بالوقت، وهذا يدل على عمق الأحاديث، وعمق الطرح الذي كنا به نتحدث، وجدت قواسم كثيرة مشتركة وكنت قد أظن أن ما من قواسم قد تجمعني مع أحد، لكن هذا كان سر سعادتي وعدم شعوري بالوقت، لذلك وللأمانة ولأنهم من الرعيل الذهبي، لن يمر الموضوع عندي مرور الكرام، بل يجب أن أشير إليهم وأنقل مشاعري وما دار لأنهم يستحقون، وهذا ليس ترفاً بقدر ما هو أمانة وواجب لأن من مثلهم قليل.
في استديو لصديقي العزيز المصور، العم الأستاذ بو علي الجسمي، اجتمعنا، هذا الصديق النبيل، الوفي والمحب، فتح المكان لنخبة الكويت، ليكون هذا المكان شاهداً على حقبة جميلة ليتها تعود، وهذا الصديق ليس غريباً عنه الاهتمام بأصدقائه، فأخلاقه العالية هي الدافع لذلك، فكل الشكر له لأنه كان سبباً في أن نجتمع معاً، وأقول له إنها ستتكرر، طالما نحن متفقون على طرح كل ما هو هادف وجميل.
إن العودة إلى الزمن الجميل، لا تحتاج إلى تخطيط، بقدر ما تحتاج إلى ذاكرة متقدة وأشخاص من ذاك الزمان، وهنا لا بد من توجيه شكر كبير يليق بصديقي العزيز، المخرج الكبير، حسين علي المفيدي، السبّاق دائماً لكل ما هو جميل، والذي عرّفني على نجم من نجوم الكويت، أضيفها إلى رصيدي من نجوم أصدقائي الأعزّاء ومنهم المخرج المفيدي، والعم الأستاذ بو علي الجسمي.
هذه الأمسية كانت سبباً في أن جلست مع الكابتن سعد الحوطي من الجيل الذهبي، أحد أهم أبناء الكويت الذي رفع اسم بلادنا عالياً، ولا يزال، في جلستنا معاً عاد بنا شريط الذكريات إلى وصول منتخب الكويت إلى كأس العالم، وكأس آسيا، وإنجازات شباب الكويت المشرفة عندما كانت الكويت كما أشرت آنفاً، تهتم بالنخب والرياضة والفن والموسيقى والشعر ورابطة الأدباء، وتقدم المعرفة والمسرح الجاد الهادف، والكلمة التربوية، بما في ذلك الرياضة، دون أن ننسى الدور الرائد والمهم والمحفور في مجلدات التاريخ والذكريات، للشهيد الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح واهتمامه برفعة الكويت ورعايته للرياضة والرياضيين لتصبح رقماً مهماً صعد نحو العالمية وقطع حدود الخليج.
وجدير بالذكر أن الكابتن سعد محمد الحوطي (1954)، لاعب كرة قدم كويتي سابق في مركز وسط الميدان لعب في نادي الكويت في الفترة ما بين 1967 و1984، شارك مع منتخب الكويت لكرة القدم في بطولة كأس العالم لكرة القدم 1982 وحصل معهم على كأس آسيا 1980، واعتزل في العام 1984، بعد أن حقق جميع أحلامه الكروية، الكابتن سعد الحوطي، اسم فرض نفسه بقوة على الساحة الكروية في الكويت والخليج وكل الوطن العربي، خلال حقبة السبعينات و أوائل الثمانينيات قاد الجيل الذهبي للأزرق للأقصى ما يتمناه، قاده لإنجازات عديدة ما زالت الجماهير تتغنى بها و تتذكر بكل فخر و تقدير إلى يومنا هذا.
بالتالي، وبكل تواضع، بدأت معرفتي مع الكابتن الذي تميّز بإدارة رائعة للجلسة، وتربّع على عرشها، فكنت حريص أشد الحرص على الاستزادة من ثقافته ومعرفته وتاريخه الطويل لأنه جزء من تاريخ الكويت، ليس فقط في كرة القدم وما حققه من إنجازات بل بكل شيء، فكما ذكرت، يمتلك الكابتن ثقافة قلّ نظيرها، فهو لديه اهتمام فني كبير ولديه ذائقة شعرية رائعة، حتى في السياسة، محاور قرأ التاريخ جيداً، وما لفتني هو ما ذكره عن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ونستون تشرشل، وكأنه خط بيديه سيرته الذاتية، ما عكس اهتمامه بجوانب قلّما قرأنا عنها إن كان كأبحاث أو مقالات وحتى في المقابلات والحوارات الصحفية.
الكابتن سعد الحوطي، أعادنا لأن نتذكر الهدّاف المرعب، جاسم يعقوب والكابتن عبد العزيز العنبري والكابتن فيصل الدخيل، أسماء لمعت ولا تزال في سماء الكويت والعالم العربي، شرّفتني الحياة بأن أكون من ضمن أصدقائهم، واليوم زاد شرفي رفعةً ومكانة بإضافة الكابتن سعد الحوطي إلى هذا الرصيد.
وفي الختام، لا بد من قول الحق، ولشعوري بفخر وفرح كبيرين، ما كنت لأفوّت فرصة الكتابة عن الصديق الجديد والأخ العزيز، الكابتن سعد الحوطي، فأنا من أشد المحبين لوطني، ومن أشد المحبين لعالمنا العربي والإسلامي، لا أؤمن بحدودٍ مصطنعة ولا أفصل بين وطن وآخر، غيور جداً على بلدي، وفخور جداً بإنجازات بلدي وشعبها الودود المسالم والمحب، لقد أعاد الكابتن الحوطي كل شيء جميل، اعتقدت أننا فقدناه، ولكن تبيّن العكس، فلطالما هناك أشخاص مثله ومثل أصدقائي الجسمي والمفيدي والدخيل وغيرهم، أنا مطمئن على أننا نسير في الطريق الصحيح.
وكلي أمل، في أن تعيد الكويت ريادتها من خلال اهتمامها بالنخب في كافة المجالات، لأن هؤلاء النجوم تعبوا وضحوا بأوقاتهم لرفع اسم بلدنا عالياً، فتخليداً لمآثرهم يجب إنعاش الجيل الحالي، وهذا ليس بصعب على بلد أنجبت مثل هؤلاء.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ كاتب ومفكر – الكويت.