يرجع تاريخ التنظيم الأوروبي لحماية حقوق الإنسان إلى شهر مايو/ أيار 1948، عندما دعت اللجنة الدولية لحركات الوحدة الأوروبية لعقد مؤتمر لاهاي والذي عرف باسم مؤتمر أوروبا، اشترك فيه 713 مندوباً يمثلون 16 دولة بالإضافة إلى مراقبين من 10 دول أوروبية أخرى.
تلا ذلك في العاصمة البريطانية لندن، توقيع نظام مجلس أوروبا حيث دخل حيّز النفاذ في شهر أغسطس/ آب 1949، وكان إنشاءه النتيجة الملموسة لرؤية (ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا آنذاك)، والذي اقترح في خطابه الشهير في سويسرا، (إنشاء الولايات المتحدة الأوروبية) ولننظر للمفارقة العجيبة بعيداً عن الوضع الدولي القانوني، يعمدون إلى توحيد بلادهم، ويكيدون المكائد لتقسيم بلادنا، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي الحالي موحد شكلاً، لكن أزمة واحدة عصفت بإيطاليا، في بداية انتشار أزمة فيروس “كورونا”، تُركت لمصيرها، فعن أي وحدة سوى التي هي ضد بلادنا، يتحدثون!
بالعودة إلى اقتراح (تشرشل)، استلم رجالات أوروبا في ذلك الحين زمام المبادرة للعمل على إسدال الستار على العداوات التي كانت تتحكم بأوروبا خلال قرون مضت، وأدت إلى حروب طاحنة ولّدت الأحقاد وأراقت الكثير من الدماء.
ويتبين في المادة الأولى من نظام المجلس أن يهدف إلى تحقيق وحدة أكثر تحرراً بين أعضائه بهدف حفظ وإعلاء المُثُل والمبادئ التي تكوّن تراثهم المشترك، وإعطاء الأفضلية لتقدمهم الإقتصادي والإجتماعي، وهذا أساساً قوام مجتمعاتهم، الإقتصاد أولاً ثم كل شيء آخر تالياً، لا عجب أن مجتمعاتهم مفككة اجتماعياً.
فلقد عقدوا الإتفاقيات لتفضيل الإقتصاد أولاً، وتبني أعمال مشتركة في مجالات مختلفة إقتصادية وإجتماعية وثقافية وعلمية وقانونية وإدارية عن طريق حفظ وتنمية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويضم المجلس الأوروبي حالياً 21 عضواً ويتضمن ثلاثة أجهزة في ستراسبورغ، هي لجنة الوزراء وجمعية استشارية من مندوبي البرلمانات القومية وسكرتاريا.
لكن الجديد في الإتفاقية الأوروبية هو نظام الرقابة على المستوى الدولي، وهذه الرقابة تتم عن طريق ثلاثة أجهزة دولية هي:
أولاً، اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، ثانياً، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ثالثاً، لجنة الوزراء في مجلس أوروبا، وتتألف الإتفاقية من /66/ مادة موزعة على خمسة أبواب، تتعلق ببيان الحقوق والحريات للإنسان كحقه في الحياة وحظر التعذيب والعقوبات والمعاملات الوحشية والكثير غير ذلك.
وكل ما هدفت إليه الإتفاقية هو إسباغ الصفة القانونية الدولية على هذه الحقوق وجعل احترامها محل رقابة ومتابعة دولية.
لكن ما يؤخذ على هذه الإتفاقية أنها لم تبحث في حقوق الأقليات والحقوق الإجتماعية والإقتصادية مفرقة بذلك بين الحقوق المدنية والسياسية من جهة، وبين الحقوق الإقتصادية والإجتماعية من جهة أخرى، وذلك خلافاً لما كانت قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة أثناء مناقشتها معاهدات تتمحور حول أن كافة الحقوق على اختلافها مرتبط بعضها بالأخر، ولا يمكن الفصل بينها.
أخيراً، إن إعلان الحقوق أمر مهم، وكرامة الإنسان هي العليا، لكن الغرب لطالما عودنا على أن كرامة الإقتصاد والإستحواذ عليه بكل السبل هي العليا، حتى ولو كان المقابل الدعس على الإنسان نفسه مقابل تحقيق المصالح وكم الحروب التي حدثت وتحدث شاهد على ذلك.
عبدالعزيز بن بدر القطان/ مستشار قانوني – الكويت.