هل هشّمتك الظروف، وتواطأت ضدّك الكروب، وتكالبت عليك الأزمات، وضاقت بك السبل، وأظلمت في وجهك الآفاق، وظننت أنه الموت وأنها النهاية واقتراب الأجل، وقد أصابك القلق! وأصبحت روحك منكسرة، وقلبك مهشّم، وأنفاسك ضعيفة، وتحتاج إلى من يجبر هذا التهشّم والضعف والانكسار؟ فلا تطل البكاء، وعليك بالتوجه إلى رب السماء، وضع سجادتك وصلِ، ثم أرفع يديك وادعو الله، وأنت على يقين تام بأنَّ الله سميع قريب مجيب الدعاء، وكن مطمئناً وعلى ثقة بأن الله هو الجبار الذي سيجبر كسرك، ويضمد جرحك، ويهدي عواصف روحك، ويذهب عنك القلق والتوتر والخوف والاكتئاب، فدع القلق ولا تستسلم لأحزانك وهمومك، وعش بسعادة لتحيا في سرور وسلام.
لن يستطيع أي إنسان أن يجدد حياته إلى الأفضل وهو محاصر بالقلق، الذي يأكل الإنسان من الداخل ويشل قدرته على الحركة والتفكير ويضعه في زوايا ضيقة ويسد عليه أبواب السعادة وراحة البال، إن الإحساس بالقلق والخوف يصيب الإنسان باضطرابات القلب وقرحة المعدة وضغط الدم والتهاب المفاصل، وبغيرها من الأمراض التي إن لم تتلقَ العلاج في الوقت المناسب ستشكل خطورة على حياة الإنسان.
إن للقلق أنواع ودرجات؛ وكل إنسان في الكون لديه درجة من القلق، لأن ليس كل درجات القلق ضارة، بل هناك درجة من القلق نافعة ويتسلح بها كل إنسان ناجح، ألا وهو القلق الصحي، وهو القلق الذي يتملك الإنسان قبل مواجهة الموقف، في امتحان أو مقابلة شخصية لوظيفة، أو عند اتخاذه لقرار حاسم في حياته، ففي مثل هذه الحالات وغيرها يصاب الإنسان بالقلق والتوتر، ولكنه قلق مؤقت صحي إيجابي يساعد الإنسان للتغلب على الموقف وتجاوزه.
أما القلق المرضي، فهو القلق الذي يؤثر على صحة الإنسان ويهدد حياته، ويشل قدرته على التفكير والحركة والتفاعل مع متطلبات الحياة، فيصيب الجسم بالارتجاف وتوتر عضلات الجسم، ويصاب بصعوبات في التنفس والاختناق، ويصبح الإنسان يعيش في حالات من التوتر والعصبية والقلق والخوف والوساوس والاكتئاب والوحدة، ويحرم نفسه من الراحة والنوم، ويبدأ الإيمان فيه يضعف شيئًا فشيئًا، حتى ينهار ويكون طريح الفراش ويفقد الأمل في الحياة.
الإنسان يستطيع التغلب على القلق، وذلك بمواجهة أية مشكلة تمر عليه، من خلال تحديد طبيعتها، وأسبابها، ووضع الحلول المناسبة لها، ثم مباشرة تنفيذ خطوات العلاج للسيطرة والتغلب على المشكلة، وستكون بعدها في حالة من السكينة والاسترخاء وستشعر براحة البال وصفاء وسلامة النفس، وقد تخلصت من الوساوس والقلق والتخيلات السوداء التي كانت تسيطر على عقلك وفكرك. وبعدها تبدأ مرحلة التعافي وصفاء الذهن، والتي ستجعلك تنسى التحسر على الماضي، والبكاء على ما وقع من أخطاء ومشاكل وأحزان وآلام، وكما جاء في الحديث “قل: قدر الله وما شاء فعل”.
إن أصعب مرحلة تمر على الإنسان في حياته هي الفراغ، فحارب الفراغ، واشغل نفسك بالعمل، فإذا فرغت من أعمال الدنيا؛ فاشغل نفسك بأعمال الآخرة، وكما قيل: “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”، و”نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر”. وأفضل ما تُصان به حياة الإنسان أن يضع لنفسه منهاجًا يستغل أوقاته فيه، ويستنفذ طاقاته بما هو مُفيد، فلا يترك فرصة للشيطان أن يتطرق إليه بوسوسة أو غواية، فسارع أيها الإنسان في الخيرات، وتحرى الأوقات الفاضلة، وحدد هدفك وضع جدولًا زمنيًا لإنجاز أعمالك، وركز جهودك ومثابرتك وعطاءك لتحقيق هدفك في الوقت المحدد، وخذ الحيطة والحذر من الآفات القاتلة للوقت، كالغفلة والتسويف، والكسل، وعدم إتمام العمل، ومصاحبة رفاق السوء، وصرف الوقت في الشرور والآثام.
إن القلق حالة نفسية مؤلمة تنتج عن شعور الإنسان بالعجز في مواقف الإحباط والصراع، والكثير من هذه المواقف والمخاوف التي تسبب لنا القلق لا تحدث في الواقع، ولا بد من التحكم والسيطرة على هذه المخاوف حتى نكون في راحة نفسية وذهنية، مع اللجوء إلى الله بالاستعاذة من الهم والغم، وعلينا الإيمان بالقضاء والقدر، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب”.
وأصبح من الصعب على الإنسان في زماننا أن يعيش أيامه دون قلق أو توتر، فنعيش بأنفاس مكتومة، وندور في دوامات لا نهاية لها، فنقلق على أنفسنا ونقلق على غيرنا، ونقلق على مستقبلنا ومستقبل أولادنا، وعلى حياتنا وحياتهم، إن القلق من أكبر المشاكل التي رأيتها ومرت عليّ في الحياة، والمشكلة تكمن في أن القلق لا نستطيع رؤيته بالعين المجردة، وإنما نراه من خلال ملاحظات أو تصرفات تصدر من الشخص الذي يعيش معنا أو الذي نتعامل معه.
أيها القراء الكرام.. خذوا الحيطة والحذر من القلق، لأن منبعه يكون الخوف من الخذلان، ولا تيأسوا فلا يأس مع الحياة، لأنه إذا تغلب اليأس على الإنسان أسودت الدنيا في وجهه، وأظلمت في عينه، وأغلقت أمامه الأبواب، وتقطعت دون الأسباب، وضاقت الأرض بما رحبت، ويصبح الإنسان غير منتج ولا يحس ولا يشعر بمعنى الحياة، ويجب أن ندرك أن من أسوأ سمات القلق أنه يدمر قدرتنا على التركيز ويُلغي صفاء الذهن والتفكير السليم، فعندما ينتابنا الشعور بالقلق يبدأ العقل بالقفز وتدب الفوضى في أركانه، فنفقد القدرة على اتخاذ القرار السليم لعلاج المشاكل التي تواجهنا.
ويقول الدكتور حسن جمعة جهامة، مؤلف كتاب “جدد حياتك”: “الإنسان هو الذي يختار السعادة أو الشقاء، وهو الذي يضعها بأفكاره وسلوكياته، ومصادر السعادة لا تنضب وهي موجودة حولك في كل مكان، ويمكنك الوصول إليها دائمًا عندما تريد، بل هي موجودة بداخلك، في أفكارك ومعتقداتك، في تصوراتك وتخيلاتك، إن فلسفة الحياة السعيدة، وكما قيل “تفاءلوا بالخير تجدوه”. وتذكر دائمًا أيُّها الإنسان “أن الذين لا يعرفون قيمة الحياة لا يستحقونها” فالحياة لا تهتف إلا للمكافحين الذين يصنعون نجاحهم بالعزم والإصرار وبالإرادة والإيمان.
فيا أيُّها الإنسان لا تجعل القلق يدمر حياتك، وعش مع الله وكن له ساجدًا بقلبك وإن رفعت رأسك، وقل يا جابر المنكسرين اجبر كسري، ثم تأمل في المعجزة وهي تشكل روحك من جديد، فكلما انطفأ حلم خلق الله لك حلمًا أجمل، وكلما بهتت في قلبك ذكرى صنع الله لك ذكرى أروع، فلا تقلق لأن الله معك، ولا تدع صغائر الأمور تكبر حتى تصبح من أسباب همك وقلقك، فلا تقلق بعد اليوم حتى لا تحاصرك الهموم والأحزان والأمراض.
حمد الحضرمي/ محامٍ ومستشار قانوني